منها : زخرفة المساجد وتزويق المصاحف ، وأما تلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي فالأصح أنه من البدع المحرمة.
قال : وللبدع المباحة أمثلة :
منها : المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر.
ومنها : التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب والملابس والمساكن ، ولبس الطيالسة وتوسيع الأكمام. وقد اختلف في بعض ذلك ، فجعله بعض العلماء من البدع المكروهة ، وجعله آخرون من السنن المفعولة على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فما بعده كالاستعاذة والبسملة في الصلاة. انتهى محصول ما قال.
وهو يصرح مع ما قبله بأن البدع تنقسم بأقسام الشريعة ، فلا يصح أن تحمل أدلة ذم البدع على العموم بل لها مخصصات.
والجواب : أن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع ، لأن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده ، إذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثمّ بدعة ، ولكان العمل داخلا في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها ، فالجمع بين عدّ تلك الأشياء بدعا ، وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متنافيين.
أما المكروه منها والمحرم فمسلم من جهة كونها بدعا لا من جهة أخرى ، إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة ، لإمكان أن يكون معصية ، كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها ، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة ، إلا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه.
فما ذكره القرافي عن الأصحاب من الاتفاق على إنكار البدع صحيح ، وما قسمه فيها غير صحيح. ومن العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف ومع معرفته بما يلزمه في خرق الإجماع ، وكأنه إنما اتبع في هذا التقسيم شيخه من غير تأمل ، فإن ابن عبد السلام ظاهر منه أنه سمى المصالح المرسلة بدعا ، بناء ـ والله أعلم ـ على أنها لم تدخل أعيانها تحت النصوص المعينة ، وإن كانت تلائم قواعد الشرع ، فمن هنالك جعل القواعد هي الدالة على استحسانها بتسميته لها بلفظ البدع وهو من حيث فقدان الدليل المعين على المسألة ،