وأما التواجد عند السماع ، فهو في الأصل رقة النفس ، واضطراب القلب فيتأثر الظاهر بتأثر الباطن ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (١) ، أي اضطربت رغبا أو رهبا ، وعن اضطراب القلب يحصل اضطراب الجسم ، قال الله تعالى : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً) (٢) الآية. وقال : (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ) (٣). فإنما التواجد رقة نفسية ، وهزة قلبية ، ونهضة روحانية ، وهذا هو التواجد عن وجد ، ولا يسمع فيه نكير في الشرع. وذكر السلمي أنه كان يستدل بهذه الآية على حركة الوجد في وقت السماع ، وهي : (وَرَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا) (٤) الآية ، وكان يقول : إن القلوب مربوطة بالملكوت ، حركتها أنوار الأذكار ، وما يرد عليها من فنون السماع.
ووراء هذا تواجد لا عن وجد ، فهو مناط الذم لمخالفة ما ظهر لما بطن ، وقد يعزب فيه الأمر عند القصد إلى استنهاض العزائم ، وأعمال الحركة في يقظة القلب النائم : يا أيّها النّاس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا ولكن شتان ما بينهما.
وأما من دعا طائفة إلى منزله فتجاب دعوته ، وله في ذلك قصده ونيته ، فهذا ما ظهر تقييده على مقتضى الظاهر ، والله يتولى السرائر ، وإنما الأعمال بالنيات انتهى ما قيده.
فكان مما ظهر لي في هذا الجواب : أن ما ذكره في مجالس الذكر صحيح إذا كان على حسب ما اجتمع عليه السلف الصالح ، فإنهم كانوا يجتمعون لتدارس القرآن فيما بينهم ، حتى يتعلم بعضهم من بعض ، ويأخذ بعضهم من بعض ، فهو مجلس من مجالس الذكر التي جاء في مثلها من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة ، وحفت بهم الملائكة وذكره الله فيمن عنده» (٥) وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله تعالى عنهم من الاجتماع على تلاوة كلام الله.
__________________
(١) سورة : الحج ، الآية : ٣٥.
(٢) سورة : الكهف ، الآية : ١٨.
(٣) سورة : الذاريات ، الآية : ٥٠.
(٤) سورة : الكهف ، الآية : ١٤.
(٥) أخرجه أبو داود في كتاب : الصلاة ، باب : في ثواب قراءة القرآن (الحديث : ١٤٥٥). وأخرجه