على أنفسكم» (١). قال : وفقراء الوقت قد تخيروا بآيات ، وتميزوا بأصوات ، هي إلى الاعتداء ، أقرب منها إلى الاقتداء ، وطريقتهم إلى اتخاذها مأكلة وصناعة ، أقرب منها إلى اعتدادها قربة وطاعة.
انتهى معناه على اختصار أكثر الشواهد ، وهي دليل على أن فتواه المحتج بها ليس معناها ما رام هؤلاء المبتدعة ، فإنه سئل في هذه عن فقراء الوقت ، فأجاب بذمهم ، وأن حديث النبي صلىاللهعليهوسلم لا يتناول عملهم. وفي الأولى إنما سئل عن قوم يجتمعون لقراءة القرآن ، أو لذكر الله. وهذا السؤال يصدق على قوم يجتمعون مثلا في المسجد فيذكرون الله كل واحد منهم في نفسه أو يتلو القرآن نفسه كما يصدق على مجالس المعلمين والمتعلمين ، وما أشبه ذلك مما تقدم التنبيه عليه فلا يسعه وغيره من العلماء إلا أن يذكر محاسن ذلك والثواب عليه. فلما سئل عن أهل البدع في الذكر والتلاوة بيّن ما ينبغي أن يعتمد عليه الموفق ، ولا توفيق إلا بالله العلي العظيم.
وأما ما ذكره في الإنشادات الشعرية ، فجائز للإنسان أن ينشد الشعر الذي لا رفث فيه ، ولا يذكر بمعصية ، وأن يسمعه من غيره إذا أنشد ، على الحد الذي كان ينشد بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، أو عمل به الصحابة والتابعون ومن يقتدى به من العلماء ، وذلك أنه كان ينشد ويسمع لفوائد.
منها : المنافحة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعن الإسلام وأهله ، ولذلك كان حسان بن ثابت رضي الله عنه قد نصب له منبر في المسجد ينشد عليه إذا وفدت الوفود حتى يقولوا : خطيبه أخطب من خطيبنا ، وشاعره أشعر من شاعرنا ، ويقول له صلىاللهعليهوسلم : «اهجهم وجبريل معك» (٢) وهذا من باب الجهاد في سبيل الله ، ليس للفقراء من فضله في غنائهم بالشعر قليل ولا كثير.
ومنها : أنهم كانوا يتعرضون لحاجاتهم ويستشفعون بتقديم الأبيات بين يدي طلباتهم ،
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٢١٩ ، الحاشية : ٢.
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : الأدب ، باب : هجاء المشركين ، وفي كتاب : بدء الخلق ، باب : ذكر الملائكة ، وفي كتاب : المغازي ، باب : مرجع النبي صلىاللهعليهوسلم من الأحزاب (الحديث : ١٠ / ٤٥٣). وأخرجه مسلم في كتاب : فضائل الصحابة ، باب : فضائل حسان بن ثابت (الحديث : ٢٤٨٦).