مع التزام العبادة ، وعلى هذا التفسير جماعة من المفسرين.
ويحتمل أن يكون الاستثناء في قوله تعالى : (إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) متصلا ومنفصلا فإذا بنينا على الاتصال فكأنه يقول : ما كتبناها عليهم إلا على هذا الوجه الذي هو العمل ابتغاء رضوان الله ، فالمعنى أنها مما كتبت عليهم ـ أي : مما شرعت لهم ـ لكن بشرط قصد الرضوان ، فما رعوها حق رعايتها ، بدليل أنهم تركوا رعايتها حين لم يؤمنوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وهو قول طائفة من المفسرين لأن قصد الرضوان إذا كان شرطا في العمل بما شرع لهم ، فمن حقهم أن يتبعوا ذلك القصد فإلى أين سار بهم ساروا ، وإنما شرع لهم على شرط أنه إذا نسخ بغيره رجعوا إلى ما أحكم وتركوا ما نسخ ، وهو معنى ابتغاء الرضوان على الحقيقة ، فإذا لم يفعلوا وأصروا على الأول كان ذلك اتّباعا للهوى لا اتباعا للمشروع ، واتباع المشروع هو الذي يحصل به الرضوان ، وقصد الرضوان بذلك.
قال تعالى : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (١) ، فالذين آمنوا هم الذين اتبعوا الرهبانية ابتغاء رضوان الله ، والفاسقون هم الخارجون عن الدخول فيها بشرطها إذ لم يؤمنوا برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
إلا أن هذا التقرير يقتضي أن المشروع لهم يسمى ابتداعا ، وهو خلاف ما دلّ عليه حد البدعة.
والجواب : أنه يسمى بدعة من حيث أخلوا بشرط المشروع ، إذ شرط عليهم فلم يقوموا به ، وإذا كانت العبادة مشروطة بشرط فيعمل بها دون شرطها لم تكن عبادة على وجهها وصارت بدعة ، كالمخل قصدا بشرط من شروط الصلاة ، مثل استقبال القبلة أو الطهارة أو غيرها ، فحيث عرف بذلك وعلمه فلم يلتزمه ودأب على الصلاة دون شرطها فذلك العمل من قبيل البدع ، فيكون ترهب النصارى صحيحا قبل بعث محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلما بعث وجب الرجوع عن ذلك كله إلى ملته ، فالبقاء عليه مع نسخه بقاء على ما هو باطل بالشرع ، وهو عين البدعة.
__________________
(١) سورة : الحديد ، الآية : ٢٧.