داوم عليه أورث مللا ، ينبغي أن يعتقد أن هذا الالتزام مكروه ابتداء ، إذ هو مؤدّ إلى أمور جميعها منهيّ عنه :
أحدها : أن الله ورسوله أهدى في هذا الدين التسهيل والتيسير ، وهذا الملتزم يشبه من لم يقبل هديته ، وذلك يضاهي ردها على مهديها ، وهو غير لائق بالمملوك مع سيده ، فكيف يليق بالعبد مع ربه؟
والثاني : خوف التقصير أو العجز عن القيام بما هو أولى وآكد في الشرع ، وقال صلىاللهعليهوسلم إخبارا عن داود عليهالسلام : «إنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ولا يفر إذا لاقى» (١) تنبيها على أنه لم يضعفه الصيام عن لقاء العدو فيفر ويترك الجهاد في مواطن تكيده بسبب ضعفه.
وقيل لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه : إنك لتقل الصوم ، فقال : إنه يشغلني عن قراءة القرآن ، وقراءة القرآن أحب إليّ منه.
ولذلك كره مالك إحياء الليل كله ، وقال : لعله يصبح مغلوبا ، وفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم أسوة ، ثم قال : لا بأس به ما لم يضر بصلاة الصبح.
وقد جاء في صيام يوم عرفة أنه يكفر سنتين ، ثم إن الإفطار فيه للحاج أفضل ، لأنه قوة على الوقوف والدعاء ، ولابن وهب في ذلك حكاية ، وقد جاء في الحديث : «إن لأهلك عليك حقّا ، ولزوارك عليك حقّا ، ولنفسك عليك حقّا» (٢) فإذا انقطع إلى عبادة لا تلزمه الأصل فربما أخلّ بشيء من هذه الحقوق.
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : ما يذكر من صوم النبي صلىاللهعليهوسلم (الحديث : ٤ / ١٨٨). وأخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : صيام النبي صلىاللهعليهوسلم في غير رمضان (الحديث : ١١٥٧). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصوم ، باب : في صوم المحرم (الحديث : ٢٤٣٠).
(٢) أخرجه البخاري في كتاب : الصوم ، باب : حق الجسم في الصوم (الحديث : ٥ / ١٢٣). وأخرجه مسلم في كتاب : الصيام ، باب : النهي عن صوم الدهر (الحديث : ١١٥٩). وأخرجه أبو داود في كتاب : الصيام ، باب : في صوم الدهر (الحديث : ٢٤٢٥). وأخرجه النسائي في كتاب : الصيام ، باب : صوم يوم وإفطار يوم وذكر الزيادة في الصيام والنقصان وصوم عشرة أيام من الشهر (الأحاديث : ٤ / ٢٠٩ ، ٢١٥). وأخرجه الترمذي في كتاب : الصوم ، باب : ما جاء في سرد الصوم (الحديث : ٧٧٠).