أو غيرهما ، فقد ثبت في الأصول أن فرضه التوقف ، فلو عمل بمقتضى دليل التشريع من غير مرجح لكان عاملا بمتشابه ، لإمكان صحة الدليل بعدم المشروعية ، فالصواب الوقوف عن الحكم رأسا ، وهو الفرض في حقه.
الثاني : إذا تعارضت الأقوال على المقلد في المسألة بعينها ؛ فقال بعض العلماء : يكون العمل بدعة ، وقال بعضهم : ليس ببدعة ، ولم يتبين له الأرجح من العالمين بأعلمية أو غيرها ؛ فحقه الوقوف والسؤال عنهما حتى يتبين له الأرجح فيميل إلى تقليده دون الآخر ؛ فإن أقدم على تقليد أحدهما من غير مرجح كان حكمه حكم المجتهد إذا أقدم على العمل بأحد الدليلين من غير ترجيح ، فالمثالان في المعنى واحد.
والثالث : أنه ثبت في الصحاح عن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبركون بأشياء من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ففي البخاري عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال : «خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به» ، الحديث ، وفيه : كان إذا توضأ يقتتلون على وضوئه. وعن المسور رضي الله عنه في حديث الحديبية : «وما انتخم النبي صلىاللهعليهوسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده (١)» ، وخرّج غيره من ذلك كثيرا في التبرك بشعره وثوبه وغيرهما ، حتى أنه مس بإصبعه أحدهم بيده فلم يحلق ذلك الشعر الذي مسه عليه الصلاة والسلام حتى مات.
وبالغ بعضهم في ذلك حتى شرب دم حجامته ، إلى أشياء كهذا كثيرة ، فالظاهر في مثل هذا النوع أن يكون مشروعا في حق من ثبتت ولايته واتباعه لسنّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأن يتبرك بفضل وضوئه ، ويتدلك بنخامته ، ويستشفي بآثاره كلها ، ويرجي نحو مما كان في آثار المتبوع الأصل صلىاللهعليهوسلم.
إلا أنه عارضنا في ذلك أصل مقطوع به في متنه ، مشكل في تنزيله ، وهو أن الصحابة رضي الله عنهم بعد موته عليه الصلاة والسلام لم يقع من أحد منهم شيء من ذلك بالنسبة إلى من خلفه ، إذ لم يترك النبي صلىاللهعليهوسلم بعده في الأمة أفضل من أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فهو كان خليفته ، ولم يفعل به شيء من ذلك ولا عمر رضي الله عنهما ، وهو كان أفضل الأمة
__________________
(١) أخرجه أحمد في المسند (٤ / ٣٢٩ ، ٣٣٠).