ويجاب عنه بأن هذا النظر يدل على ما ذكر ، ففي النظر ما يدل من جهة أخرى على إثبات الصغيرة من أوجه :
أحدها : إنا نقول : الإخلال بضرورة النفس كبيرة بلا إشكال ، ولكنها على مراتب أدناها لا يسمى كبيرة ، فالقتل كبيرة ، وقطع الأعضاء من غير إجهاز كبيرة دونها ، وقطع عضو واحد كبيرة دونها ، وهلم جرا إلى أن تنتهي إلى اللطمة ، ثم إلى أقل خدش يتصور ، فلا يصح أن يقال في مثله كبيرة ، كما قال العلماء في السرقة : إنها كبيرة لأنها إخلال بضرورة المال ، فإن كانت السرقة في لقمة أو تطفيف بحبة فقد عدوه من الصغائر ، وهذا في ضرورة الدين أيضا.
فقد جاء في بعض الأحاديث عن حذيفة رضي الله عنه قال : «أول ما تفقدون من دينكم الأمانة ، وآخر ما تفقدون الصلاة ، ولتنقضن عرى الإيمان عروة عروة ، وليصلين نساؤهن حيض ـ ثم قال ـ حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة تقول إحداهما : ما بال الصلوات الخمس؟ لقد ضلّ من كان قبلنا ، إنما قال الله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ) (١) لا تصلّنّ إلا ثلاثا ، وتقول أخرى : إنا لنؤمن بالله إيمان الملائكة ، ما فينا كافر ، حق على الله أن يحشرهما مع الدجال» فهذا الأثر ـ وإن لم تلتزم عهدة صحته ـ مثال من أمثلة المسألة.
فقد نبه على أن في آخر الزمان من يرى أن الصلوات المفروضة ثلاث لا خمس ، وبيّن أن من النساء من يصلين وهن حيّض كأنه يعني بسبب التعمق وطلب الاحتياط بالوساوس الخارج عن السنّة ، فهذه مرتبة دون الأولى.
وحكى ابن حزم أن بعض الناس زعم أن الظهر خمس ركعات لا أربع ركعات ، ثم وقع في العتبية. قال ابن القاسم : وسمعت مالكا يقول : أول من أحدث الاعتماد في الصلاة ـ حتى لا يحرك رجليه ـ رجل قد عرف وسمّي إلّا أني لا أحب أن أذكره ، وقد كان مساء (أي : يساء الثناء عليه) قال : قد عيب ذلك عليه ، وهذا مكروه من الفعل ، قالوا : ومساء أي : يساء الثناء عليه.
__________________
(١) سورة : هود ، الآية : ١١٤.