فقال : وأي فتنة أعظم من أن تظن أنك فعلت فعلا قصر عنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، إلى آخر الحكاية ، وقد تقدمت أيضا ، فإذا يصح أن يكون في البدع ما هو صغيرة.
فالجواب : أن ذلك يصح بطريقة يظهر إن شاء الله أنها تحقيق في تشقيق هذه المسألة.
وذلك أن صاحب البدعة يتصور أن يكون عالما بكونها بدعة وأن يكون غير عالم بذلك ، وغير العالم بكونها بدعة على ضربين ، وهما المجتهد في استنباطها وتشريعها والمقلد له فيها ، وعلى كل تقدير فالتأويل يصاحبه فيها ولا يفارقه إذا حكمنا له بحكم أهل الإسلام ، لأنه مصادم للشارع مراغم للشرع بالزيادة فيه أو النقصان منه أو التحريف له ، فلا بد له من تأويل كقوله : «هي بدعة ولكنها مستحسنة» أو يقول : «إنها بدعة ولكني رأيت فلانا الفاضل يعمل بها» أو يقرّ بها ولكنه يفعلها لحظ عاجل ، كفاعل الذنب لقضاء حظه العاجل خوفا على حظه ، أو فرارا من خوف على حظه ، أو فرارا من الاعتراض عليه في اتباع السنّة ، كما هو الشأن اليوم في كثير ممن يشار إليه ، وما أشبه ذلك.
وأما غير العالم وهو الواضع لها ، فإنه لا يمكن أن يعتقدها بدعة ، بل هي عنده مما يلحق بالمشروعات ، كقول من جعل يوم الاثنين يصام لأنه يوم مولد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وجعل الثاني عشر من ربيع الأول ملحقا بأيام الأعياد لأنه عليه الصلاة والسلام ولد فيه ، وكمن عدّ السماع والغناء مما يتقرب به إلى الله بناء على أنه يجلب الأحوال السنية ، أو رغب في الدعاء بهيئة الاجتماع في أدبار الصلوات دائما بناء على ما جاء في ذلك حالة الواحدة ، أو زاد في الشريعة أحاديث مكذوبة لينصر في زعمه سنّة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فلما قيل له : إنك تكذب عليه وقد قال : «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» (١) قال : لم أكذب عليه وإنما كذبت له. أو نقص منها تأويلا عليها لقوله تعالى في ذم الكفار : (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢) فأسقط اعتبار الأحاديث المنقولة بالآحاد لذلك ولما أشبه ، لأن خبر الواحد ظني ، فهذه كلها من قبل التأويل.
وأما المقلد فكذلك أيضا لأنه يقول : فلان المقتدى به يعمل بهذا العمل ويثني عليه ،
__________________
(١) أخرجه مسلم في المقدمة ، باب : ٢ (الحديث : ٣).
(٢) سورة : النجم ، الآية : ٢٨.