كاتخاذ الغناء جزءا من أجزاء طريقة التصوف بناء منهم على أن شيوخ التصوف قد سمعوه وتواجدوا عليه ، ومنهم من مات بسببه ، وكتمزيق الثياب عند التواجد بالرقص وسواه لأنهم قد فعلوه ، وأكثر ما يقع مثل هذا في هؤلاء المنتمين إلى التصوف.
وربما احتجوا على بدعتهم بالجنيد والبسطامي والشبلي وغيرهم فيما صح عندهم أو لم يصح ، ويتركون أن يحتجوا بسنّة الله ورسوله وهي التي لا شائبة فيها إذا نقلها العدول وفسرها أهلها المكبون على فهمها وتعلمها ، ولكنهم مع ذلك لا يقرون بالخلاف للسنّة بحثا ، بل يدخلون تحت أذيال التأويل ، إذ لا يرضى منتم إلى الإسلام بإبداء صفحة الخلاف للسنّة أصلا.
وإذا كان كذلك فقول مالك : من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن النبي صلىاللهعليهوسلم خان الرسالة. وقوله لمن أراد أن يحرم من المدينة : أي فتنة أعظم من أن تظن أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ إلى آخر الحكاية ، إنها إلزام للخصم على عادة أهل النظر ، كأنه يقول : يلزمك في هذا القول كذا ، لأنه يقول : قصدت إليه قصدا ، لأنه لا يقصد إلى ذلك مسلم ، ولازم المذهب ، هل هو مذهب أم لا؟ هي مسألة مختلف فيها بين أهل الأصول ، والذي كان يقول به شيوخنا البجائيون والمغربيون ويرون أنه رأي المحققين أيضا : أن لازم المذهب ليس بمذهب ، فلذلك إذا قرر على الخصم أنكره غاية الإنكار ، فإذا اعتبار ذلك المعنى على التحقيق لا ينهض ، وعند ذلك تستوي البدعة مع المعصية صغائر وكبائر ، فكذلك البدع.
ثم إن البدع على ضربين : كلية وجزئية.
فأما الكلية : فهي السارية فيما لا ينحصر من فروع الشريعة ، ومثالها بدع الفرق الثلاث والسبعين ، فإنها مختصة بالكليات منها دون الجزئيات ، حسبما يتبين بعد إن شاء الله.
وأما الجزئية : فهي الواقعة في الفروع الجزئية ، ولا يتحقق دخول هذا الضرب من البدع تحت الوعيد بالنار ، وإن دخلت تحت الوصف بالضلال ، كما لا يتحقق ذلك في سرقة لقمة أو التطفيف بحبة ، وإن كان داخلا تحت وصف السرقة ، بل المتحقق دخول عظائمها وكلياتها كالنصاب في السرقة ، فلا تكون تلك الأدلة واضحة الشمول لها ، ألا ترى أن خواص البدع غير ظاهرة في أهل البدع الجزئية غالبا؟ كالفرقة والخروج عن الجماعة ، وإنما تقع