يؤدي إليه اجتهاد مجتهد. واختلف قوله في الرتبة المتوسطة ، وهي رتبة الحاجي ، فرده في المستصفى وهو آخر قوليه ، وقبله في شفاء العليل كما قبل ما قبله. وإذا اعتبر من الغزالي اختلاف قوله : فالأقوال خمسة ، فإذا الراد لاعتبارها لا يبقى له في الوقائع الصحابية مستند إلا أنها بدعة مستحسنة ـ كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الاجتماع لقيام رمضان : نعمت البدعة هذه ـ إذ لا يمكنهم ردها ، لإجماعهم عليها.
وكذلك القول في الاستحسان ، فإنه على ما ذهب إليه المتقدمون ، راجع إلى الحكم بغير دليل ، والنافي له لا يعد الاستحسان سببا فلا يعتبر في الأحكام البتة ، فصار كالمصالح المرسلة إذا قيل بردها.
فلما كان هذا الموضع مزلة قدم ، لأهل البدع أن يستدلوا على بدعتهم من جهته كان الحق المتعين في مناط الغلط الواقع لهؤلاء ، حتى يتبين أن المصالح المرسلة ليست من البدع في ورد ولا صدر ، بحول الله ، والله الموفق فنقول :
المعنى المناسب الذي يربط به الحكم لا يخلو من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يشهد الشرع بقبوله ، فلا إشكال في صحته ، ولا خلاف في إعماله ، وإلا كان مناقضة للشريعة ، كشريعة القصاص حفظا للنفوس والأطراف وغيرها.
والثاني : ما شهد الشرع برده فلا سبيل إلى قبوله ، إذا المناسبة لا تقتضي الحكم لنفسها ، وإنما ذلك مذهب أهل التحسين العقلي ، بل إذ ظهر المعنى وفهمنا من الشرع اعتباره في اقتضاء الأحكام ، فحينئذ نقبله ، فإن المراد بالمصلحة عندنا ما فهم رعايته في حق الخلق من جلب المصالح ودرء المفاسد على وجه لا يستقل العقل بدركه على حال ، فإذا لم يشهد الشرع باعتبار ذلك المعنى ، بل يرده ، كان مردودا باتفاق المسلمين.
ومثال ما حكى الغزالي عن بعض أكابر العلماء أنه دخل على بعض السلاطين فسأله عن الوقاع في نهار رمضان ، فقال : عليك صيام شهرين متتابعين ، فلما خرج راجعه بعض الفقهاء وقالوا له : القادر على إعتاق الرقبة كيف يعدل به إلى الصوم والصوم وظيفة المعسرين ، وهذا الملك يملك عبيدا غير محصورين؟ فقال لهم : لو قلت لهم عليك إعتاق رقبة لاستحقر ذلك وأعتق عبيدا مرارا ، فلا يزجره إعتاق الرقبة ويزجره صوم شهرين متتابعين.