والإمارة أو قضاء الحاجة ، إنما الترجيح بالوجوه المعتبرة شرعا ، وهذا متفق عليه بين العلماء ، فكل من اعتمد على تقليد غير محقق ، أو رجح بغير معنى معتبر فقد خلع الربقة واستند إلى غير شرع ، عافانا الله من ذلك بفضله.
فهذه الطريقة في الفتيا من جملة البدع المحدثات في دين الله تعالى ، كما أن تحكيم العقل على الدين مطلقا محدث ، وسيأتي بيان ذلك بعد إن شاء الله.
وقد ثبت بهذا وجه اتباع الهوى ، وهو أصل الزيغ عن الصراط المستقيم. قال الله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي : ميل الحقّ (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) (١) وقد تقدم معنى الآية ، فمن شأنهم أن يتركوا الواضح ويتبعوا المتشابه ، عكس ما عليه الحق في نفسه.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ـ وذكرت الخوارج وما يلقون في القرآن ـ فقال : يؤمنون بمحكمه ، ويهلكون عند متشابهه ، وقرأ ابن عباس الآية. خرّجه ابن وهب.
وقد دلّ على ذمه القرآن في قوله : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) (٢) الآية ، ولم يأت في القرآن ذكر الهوى إلا في معرض الذم. حكى ابن وهب عن طاوس أنه قال : ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه ، وقال : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ) (٣) إلى غير ذلك من الآيات. وحكي أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي أن رجلا سأل إبراهيم النخعي عن الأهواء : أيها خير؟ فقال : ما جعل الله في شيء منها مثقال ذرة من خير وما هي إلا زينة الشيطان وما الأمر إلا الأمر الأول ، يعني : ما كان عليه السلف الصالح.
وخرّج عن الثوري أن رجلا أتى ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : أنا على هواك ، فقال له ابن عباس : الهوى كله ضلالة ، أي شيء أنا على هواك؟
__________________
(١) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٢) سورة : الجاثية ، الآية : ٢٣.
(٣) سورة : القصص ، الآية : ٥٠.