يقول في القدر ، فبعث إليه فحجبه أياما ، ثم أدخله عليه فقال : يا غيلان! ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال عمرو بن مهاجر : فأشرت إليه ألا يقول شيئا. قال : فقال : نعم يا أمير المؤمنين إن الله عزوجل يقول : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً* إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً* إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١). قال عمر : اقرأ إلى آخر السورة : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً* يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢). ثم قال : ما تقول يا غيلان؟ قال : أقول : قد كنت أعمى فبصرتني ، وأصم فأسمعتني ، وضالّا فهديتني. فقال عمر : اللهم إن كان عبدك غيلان صادقا وإلّا فاصله! قال فأمسك عن الكلام في القدر فولّاه عمر بن عبد العزيز دار الضرب (٣) بدمشق. فلما مات عمر بن عبد العزيز وأفضت الخلافة إلى هشام تكلم في القدر ، فبعث إليه هشام فقطع يده ، فمرّ به رجل والذباب على يده ، فقال : يا غيلان! هذا قضاء وقدر. قال : كذبت لعمر الله ما هذا قضاء ولا قدر ، فبعث إليه هشام فصلبه.
والثالث : لأن الحرورية جردوا السيوف على عباد الله وهو غاية الفساد في الأرض ، وذلك كثير من أهل البدع شائع ، وسائرهم يفسدون بوجوه من إيقاع العداوة والبغضاء بين أهل الإسلام.
وهذه الأوصاف الثلاثة تقتضيها الفرقة التي نبّه عليها الكتاب والسنّة كقوله تعالى :
(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) (٤). وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً) (٥) ، وأشباه ذلك.
وفي الحديث : «إن الأمة تتفرق على بضع وسبعين فرقة» (٦).
__________________
(١) سورة : الإنسان ، الآيات : ١ ـ ٣.
(٢) سورة : الإنسان ، الآيتان : ٣٠ ـ ٣١.
(٣) دار الضرب : دار سك وطباعة النقود.
(٤) سورة : آل عمران ، الآية : ١٠٥.
(٥) سورة : الأنعام ، الآية : ١٥٩.
(٦) تقدم تخريجه ص : ١٢ ، الحاشية : ٢.