وهذا التفسير في الرواية الأولى لمصعب بن سعد أيضا فقد وافق أباه على المعنى المذكور.
ثم فسر سعد بن أبي وقاص في رواية سعيد بن منصور : إن ذلك بسبب الزيغ الحاصل فيهم ، وذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١) ، وهو راجع إلى آية آل عمران في قوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) (٢) الآية ، فإنه أدخل رضي الله عنه الحرورية في الآيتين بالمعنى ، وهو الزيغ في إحداها ، والأوصاف المذكورة في الأخرى لأنها فيهم موجودة ، فآية الرعد تشمل بلفظها ، لأن اللفظ فيها يقتضي العموم لغة ، وإن حملناها على الكفار خصوصا فهي تعطي أيضا فيهم حكما من جهة ترتيب الجزاء على الأوصاف المذكورة حسبما هو مبيّن في الأصول. وكذلك آية الصف لأنها خاصة بقوم موسى عليهالسلام ، ومن هنا كان شعبة يسميهم الفاسقين ـ أعني : الحرورية ـ لأن معنى الآية واقع عليهم. وقد جاء فيها : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٣) ، والزيغ أيضا كان موجودا فيهم ، فدخلوا في معنى قوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٤) ، ومن هنا يفهم أنها لا تختص من أهل البدعة بالحرورية ، بل تعم كل من اتصف بتلك الأوصاف التي أصلها الزيغ ، وهو الميل عن الحق اتباعا للهوى. وإنما فسرها سعد رضي الله عنه بالحرورية لأنه إنما سئل عنهم على الخصوص والله أعلم ، لأنهم أول من ابتدع في دين الله ، فلا يقتضي ذلك تخصيصا.
وأما المسئول عنها أولا ، وهي آية الكهف ، فإن سعدا نفى أن تشمل الحرورية.
وقد جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسر الأخسرين أعمالا بالحرورية أيضا ، فروى عبد بن حميد عن ابن الطفيل قال : قام ابن الكواء إلى علي فقال : يا أمير المؤمنين! من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟ قال :
__________________
(١) سورة : الصف ، الآية : ٥.
(٢) سورة : آل عمران ، الآية : ٧.
(٣) سورة : الصف ، الآية : ٥.
(٤) سورة : الصف ، الآية : ٥.