فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة فيقول سلمان : حذيفة أعلم بما يقول فيرجعون إلى حذيفة فيقولون : قد ذكرنا قولك إلى سلمان فما صدقك ولا كذبك ، فأتى حذيفة سلمان وهو في مبقلة فقال : يا سلمان! ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ فقال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يغضب فيقول لناس من أصحابه ويرضى فيقول في الرضى : أما تنتهي حتى تورث رجالا حب رجال ورجالا بغض رجال ، وحتى توقع اختلافا وفرقة؟ ولقد علمت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خطب فقال : «أيما رجل سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون ، وإنما بعثني الله رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة» (١) ، فو الله لتنتهين أو اكتبن إلى عمر.
فتأملوا ما أحسن هذا الفقه من سلمان رضي الله عنه! وهو جار في مسألتنا ، فمن هنا لا ينبغي للراسخ في العلم أن يقول : هؤلاء الفرق هم بنو فلان وبنو فلان! وإن كان يعرفهم بعلامتهم بحسب اجتهاده ، اللهم إلا في موطنين.
أحدهما : حيث نبه الشرع على تعيينهم كالخوارج ، فإنه ظهر من استقرائه أنهم متمكنون تحت حديث الفرق ، ويجري مجراهم من سلك سبيلهم ، فإن أقرب الناس إليهم شيعة المهدي المغربي ، فإنه ظهر فيهم الأمران اللذان عرف النبي صلىاللهعليهوسلم بهما في الخوارج من أنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، وأنهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان ، فإنهم أخذوا أنفسهم بقراءة القرآن وإقرائه حتى ابتدعوا فيه ثم لم يتفقهوا فيه ، ولا عرفوا مقاصده ، ولذلك طرحوا كتب العلماء وسموها كتب الرأي وخرقوها ومزقوا أدمها ، مع أن الفقهاء هم الذين بينوا في كتبهم معاني الكتاب والسنّة على الوجه الذي ينبغي ، وأخذوا في قتال أهل الإسلام بتأويل فاسد ، زعموا عليهم أنهم مجسمون وأنهم غير موحدين ، وتركوا الانفراد بقتال أهل الكفر من النصارى والمجاورين لهم وغيرهم.
فقد اشتهر في الأخبار والآثار ما كان من خروجهم على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وعلى من بعده كعمر بن عبد العزيز رحمهالله وغيره ، حتى لقد روي في حديث خرّجه
__________________
(١) أخرجه البخاري في كتاب : الدعوات ، باب : قول النبي صلىاللهعليهوسلم : «من آذيته فاجعله زكاة ورحمة» (الحديث : ١١ / ١٤٧). وأخرجه مسلم في كتاب : البر والصلة ، باب : من لعنه النبي صلىاللهعليهوسلم أو سبه أو دعا عليه (الحديث : ٢٦٠١).