منهم أهل حروراء (١) وهو أيضا منقول في تفسير سفيان الثوري. وفي جامع ابن وهب أنه سأله عن الآية فقال له : ارق إليّ أخبرك ـ وكان على المنبر ـ فرقى إليه درجتين ، فتناوله بعصا كانت في يده ، فجعل يضربه بها ، ثم قال له علي : أنت وأصحابك. وخرج عبد بن حميد أيضا عن محمد بن جبير بن مطعم قال : أخبرني رجل من بني أود أن عليّا خطب الناس بالعراق وهو يسمع ، فصاح به ابن الكواء من أقصى المسجد فقال : يا أمير المؤمنين! من (الأخسرين أعمالا)؟ قال : أنت ، فقتل ابن الكواء يوم الخوارج. ونقل بعض أهل التفسير أن ابن الكواء سأله فقال : أنتم أهل الحروراء ، وأهل الرياء ، والذين يحبطون الصنيعة بالمنة. فالرواية الأولى تدل على أن أهل حروراء بعض من شملته الآية.
ولما قال سبحانه في وصفهم : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٢) ، وصفهم بالضلال مع ظن الاهتداء ، دل على أنهم المبتدعون في أعمالهم عموما ، كانوا من أهل الكتاب أولا ، من حيث قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «كل بدعة ضلالة» (٣) وسيأتي شرح ذلك بعون الله ، فقد يجتمع التفسيران في الآية : تفسير سعد بأنهم اليهود والنصارى ، وتفسير علي بأنهم أهل البدعة ، لأنهم قد اتفقوا على الابتداع ولذلك فسر كفر النصارى بأنهم تأولوا في الجنة غير ما هي عليه ، وهو التأويل بالرأي. فاجتمعت الآيات الثلاث على ذم البدعة ، وأشعر كلام سعد بن أبي وقاص بأن كل آية اقتضت وصفا من أوصاف المبتدعة فهم مقصدون بما فيها من الذم والخزي وسوء الجزاء إما بعموم اللفظ وإما بمعنى الوصف.
وروى ابن وهب أن النبي صلىاللهعليهوسلم أتى بكتاب في كتف (٤) فقال : «كفى بقوم حمقا ـ أو قال ضلالا ـ أن يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم ، أو كتاب إلى غير كتابهم» (٥)
__________________
(١) حروراء : قرية بقرب الكوفة ، وقيل : موضع على ميلين من الكوفة ، نزل بها الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٢) سورة : الكهف ، الآية : ١٠٤.
(٣) تقدم تخريجه ص : ٣٣ ، الحاشية : ٢.
(٤) الكتف : عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان من الناس والدواب ، وكانوا يكتبون فيه لقلة القراطيس عندهم.
(٥) عزاه القرطبي في تفسيره إلى أبي محمد الدارمي في مسنده.