إثبات العبادات التي تكون مخالفتها بدعا لا حظ للعقل في الاجتهاد فيها.
والثالث : أن ذلك أحرى بالستر ، كما تقدم بيانه في مسألة الفرق ، ولو فسرت لناقض ذلك قصد الستر ، ففسر ما يحتاج إليه وترك ما لا يحتاج إليه إلا من جهة المخالفة ، فللعقل وراء ذلك مرمى تحت أذيال الستر ، والحمد لله ، فبيّن النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك بقوله : «ما أنا عليه وأصحابي» (١) ووقع ذلك جوابا للسؤال الذي سألوه إذ قالوا : من هي يا رسول الله؟ فأجاب بأن الفرقة الناجية من اتصف بأوصافه عليه الصلاة والسلام وأوصاف أصحابه ، وكان ذلك معلوما عندهم غير خفي فاكتفوا به ، وربما يحتاج إلى تفسيره بالنسبة إلى من بعد تلك الأزمان.
وحاصل الأمر أن أصحابه كانوا مقتدين به مهتدين بهداه ، وقد جاء مدحهم في القرآن الكريم وأثنى على متبوعهم محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإنما خلقه صلىاللهعليهوسلم القرآن ، فقال تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٢) ، فالقرآن إنما هو المتبوع على الحقيقة ، وجاءت السنّة مبينة له ، فالمتبع للسنّة متبع للقرآن ، والصحابة كانوا أولى الناس بذلك ، فكل من اقتدى بهم فهو في الفرقة الناجية الداخلة للجنة بفضل الله ، وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام : «ما أنا عليه وأصحابي» فالكتاب والسنّة هو الطريق المستقيم ، وما سواهما من الإجماع وغيره فناشئ عنهما ، هذا هو الوصف الذي كان عليه النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وهو معنى ما جاء في الرواية الأخرى من قوله : «وهي الجماعة» لأن الجماعة في وقت الإخبار كانوا على ذلك الوصف ، إلا أن في لفظ الجماعة معنى تراه بعد إن شاء الله.
ثم إن هذا التعريف نظرا لا بدّ من الكلام عليه فيه وذلك أن كل داخل تحت ترجمة الإسلام من سنّي أو مبتدع مدّع أنه هو الذي نال رتبة النجاة ودخل في غمار تلك الفرقة ، إذ لا يدعي خلاف ذلك إلا من خلع ربقة الإسلام ، وانحاز إلى فئة الكفر ، كاليهود والنصارى ، وفي معناهم من دخل بظاهره وهو معتقد غيره كالمنافقين. وأما من لم يرض لنفسه إلا بوصف الإسلام وقاتل سائر الملل على هذه الملة ، فلا يمكن أن يرضى لنفسه بأخس مراتبها ـ وهو مدع أحسنها ـ وهو المعلم ، فلو علم المبتدع أنه مبتدع لم يبق على تلك الحالة ولم
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٤٩ ، الحاشية : ١.
(٢) سورة : القلم ، الآية : ٤.