عاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حال الخوارج حيث قال : «يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم» (١) فوصفهم بعدم الفهم للقرآن ، وعند ذلك خرجوا على أهل الإسلام ، إذ قالوا : لا حكم إلا لله ، وقد حكم الرجال في دين الله ، حتى بيّن لهم حبر القرآن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما معنى قوله تعالى : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ) (٢) على وجه أذعن بسببه منهم ألفان ، أو من رجع منهم إلى الحق ، وتمادى الباقون على ما كانوا عليه ، اعتمادا ـ والله أعلم ـ على قول من قال منهم : لا تناظروه ولا تخاصموه فإنه من الذين قال الله فيهم : (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) (٣).
فتأملوا رحمكم الله كيف كان فهمهم في القرآن. ثم لم يزل هذا الإشكال يعتري أقواما حتى اختلفت عليهم الآيات والأحاديث ، وتدافعت على أفهامهم فجعجعوا به قبل إمعان النظر.
ولنذكر من ذلك عشرة أمثلة :
أحدها : قول من قال : إن قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٤) يتناقض مع قوله تعالى : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) (٥).
والثاني : قول من قال في قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٦) مضاد لقوله : (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (٧) وقوله تعالى : (وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨).
__________________
(١) تقدم تخريجه ص : ٣٧٨ ، الحاشية : ١.
(٢) سورة : الأنعام ، الآية : ٥٧.
(٣) سورة : الزخرف ، الآية : ٥٨.
(٤) سورة : الصافات ، الآية : ٢٧.
(٥) سورة : المؤمنون ، الآية : ١٠١.
(٦) سورة : الرحمن ، الآية : ٣٩.
(٧) سورة : العنكبوت ، الآية : ١٣.
(٨) سورة : النحل ، الآية : ٩٣.