المقدمة الثانية : فائدة عرض القرآن على جبرائيل كل عام
ثبت في كتب الحديث والتاريخ بأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبر ابنته الزهراء بقرب أجله ، وأنّه سيرحل من هذه الدنيا بعد أيام ، لأنّ جبرئيل الأمين عارضه القرآن في ذلك العام مرّتين (١) ، ومفهوم هذا الكلام أنّه كان يعارضه في كل عام مرة واحدة ، فالسؤال : ما هي فائدة تلك العروض المتكررة في كل عام ، مع أنّ الله قد صان رسوله وحفظه من النسيان في قوله : (سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى) (٢)؟
فلا يتصوّر أنّ اجتماع الملَكَ المبعوث والنبي المرسل في كل عام كان لغواً ، لأنّ ذلك محال ، فهما معصومان ورسولان من قبل الباري جل وعلا ، ولا يفعلان شيئاً إلا لحكمةٍ وأمرٍ رباني ، إذن ما هي الفائدة والحكمة من هذا الاجتماع السنوي؟
لم أقف على جواب لهذا السؤال وكان عليّ أن أتي بجوابٍ له فالذي أذهب إليه هو أنّ الله سبحانه بعد أن أنزل القرآن دفعة واحدة (إيحاءً) أنزله تارة اُخرى (إقراءً) طبقاً للحوادث الواقعة وشأن النزول فيها ، تثبيتاً لقلب النبي المصطفى ، مُفرِّقاً تلك النصوص الوحيانية على شكل آيات (في سور ذوات العدد) أو سور كاملة وهو يؤكّد بأنّ الترتيب النزول هو غير ترتيب التلاوة.
__________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ١٩١١ / الباب السابع مسروق عن عائشة عن فاطمة ، مسند أحمد ٦ : ٢٨٢ / ح ٢٦٤٥٦ ، المعجم الكبير ٢٢ : ٤١٦ / ١٠٣٠.
(٢) سورة الأعلى : ٦.