لم ينب (١) الى الحقّ ، ولم تنحسر عنه فتنة إلّا غشيته أخرى ، وانخرق دينه فهوى فى أمر مريج». والغلوّ والتّعمّق فى الدّين على وجوه كثيرة ، أحدها ما قد ذكرناه من فعل الخوارج الذين شدّدوا فى أشياء لم يلزموها ، وخفّف الله (٢) عن الامّة فيها ؛ فتعمقوا وتركوا القصد وغلوا ومرقوا ؛ وإنّما تعرف (٣) هذه المعانى من لغة العرب.
(٣) وقد قال السيد بن محمد الحميرىّ فى تحقيق ما قلنا يخاطب الشّيعة : «أنتم قليل (٤) من كثير ، فاقصدوا وذروا التّعمق واحذروا ان تمرقوا. إنّ الّذين بنهروان ، إنّما مرقوا من الاسلام حين تعمّقوا ، نزعوا غداتئذ بحكم (٥) واقع عند الحكومة ، جاحدين ؛ فأغرقوا». فجمع معنى التّعمّق والمروق والأغراق ، وهى كلّها بمعنى الغلوّ وترك (٦) القصد. ألا تراه يقول فاقصدوا وذروا التّعمّق؟
(٤) وقوله فى هذا الحديث : «فانّ من كان قبلكم هلك بالتّعمّق» ، فانّه هذا المعنى بعينه ؛ يعنى بذلك النّصارى (٧) الذين ذكرهم الله تعالى (٨) حيث يقول : (وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَ رِعايَتِها) (٩) ؛ يعنى ما ابتدعته النّصارى من الرّهبانيّة ، والتعمق فى الدّين ، والتّعسير على أنفسهم ، والغلوّ فيما لم يأمرهم الله (١٠) به ولا كتبه عليهم ، أى : لم يفترضه عليهم ؛ إنّما أمروا بالعبادة بمقدار (١١) ما يبتغون به رضوان الله ، وأمروا أن يقتصدوا رأفة ورحمة ؛ فابتدعوا وتكلّفوا ما
__________________
(١) ـ ينب : ينسب B (٢) ـ الله : ـ A (٣) ـ تعرف : يعرف ABC (٤) ـ قليل : قليلاA (٥) ـ بحكم : لحكم C (٦) ـ وترك : او ترك C (٧) ـ النصارى : الانصارC (٨) تعالى : ـ BC (٩) ـ رعوها حق : +C ـ (١٠) ـ الله : ـ B (١١) ـ بمقدار : بقدرB