هُداها) [سورة السجدة : ١٣] الآية ؛ وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) [سورة هود : ١١٨] إلى غير ذلك.
والعصمة : هي التوفيق بعينه ؛ فإن عمت كانت توفيقا عاما ، وإن خصت كانت توفيقا خاصا.
فصل
اتفق أهل الملل على ذمّ القدرية ولعنهم ، وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لعنت القدرية على لسان سبعين نبيا». ولا ينكر لعنهم منكر ، ولكنهم يحاولون درأ هذا النبذ عن أنفسهم بما لا يغنيهم ، ويقولون : أنتم القدرية إذا اعتقدتم إضافة القدرة لله سبحانه. وهذا بهت وتواقح ، وقد قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «القدرية مجوس هذه الأمة». وشبههم بهم لتقسيمهم الخير والشر ، في حكم الإرادة والمشيئة ، حسب تقسيم المجوس ، وصرفهم الخير إلى «يزدان» والشر إلى «أهرمن». وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا قامت القيامة ، نادى مناد في أهل الجمع : أين خصماء الله تعالى؟ فتقوم القدرية».
ولا خفاء باختصاص ذلك بهم ؛ فإن أهل الحق يفوضون أمورهم إلى الله تعالى ، ولا يعترضون لشيء من أفعاله. ثم من يضيف القدرة إلى نفسه ويعتقدها صفته ، بأن يتصف بالقدريّ أولى ممن يضيفه إلى ربه.
فهذه جمل مقنعة في خلق الأعمال ، والاستطاعة ، وما يتعلق بهما. وقد حان أن نخوض في أبواب التعديل والتجويز ، مستعينين بالله تعالى ، مفوضين أمورنا إليه.
باب
القول في التعديل والتجوير
اعلموا ، أحسن الله إرشادكم ، أن مضمون هذا الأصل العظيم والخطب الجسيم تحصره مقدمتان وثلاث مسائل. إحدى المقدمتين في الرد على من قال بتحسين العقل وتقبيحه ، والأخرى أنه لا واجب على الله تعالى يدل عليه العقل. وأما المسائل الثلاث : فإحداها في بيان مذاهب أهل الملل في إيلام الله تعالى من يؤلمه من عباده وخليقته ، وهذه المسألة تتشعب إلى الكلام في التناسخ والأعراض ؛ والمسألة الثانية في الصلاح والأصلح ؛ والثالثة في اللطف ومعناه.
وإذا نجزت هذه الأصول ، افتتحنا بعدها المعجزات ، ورتبنا على ثبوت النبوات السمعيات من قواعد العقائد ، والله الموفق للصواب.