ترجيح أحدهما على الثاني ؛ ومنها الظن ، وهو كالشك في التردد ، إلا أنه يترجح أحد المعتقدين في حكمه. والأضداد العامة كالموت ، والنوم ، والغفلة ، والغشية ؛ فهذه المعاني تضاد العلوم ، وتضاد الإرادة ، وتضاد أضدادها.
فصل
العقل علوم ضرورية. والدليل على أنه من العلوم الضرورية ، استحالة الاتصاف به مع تقدير الخلو عن جميع العلوم.
فإن قيل : المانع من كون العقل خاليا عن العلوم كونه مشروطا ثبوته بثبوت ضروب منها ، كالإرادة المشروطة بالعلم بالمراد قلنا : غرضنا أن نتعرض للعقل المشروط في التكليف ، إذ العاري منه لا يحيط علما بما يكلف. فإذا افتقر التكليف إلى إحاطة المكلف بما كلف ، ولا يحيط بذلك إلا بعد حصول علوم بمعلومات هي أصول النظر ، ولا يتقدم الوصول إلى العلم بالتكليف دونها ، فقصدنا ضبط تلك العلوم التي نشترط تقديمها على ابتداء النظر ، وسمينا عقلا ؛ وتبيين الغرض من العقل يدرأ السؤال. ولسنا ننكر كون العقل من الألفاظ المشتركة المنقسمة إلى معان ، وغرضنا منه ما ذكرناه.
وليس العقل من العلوم النظرية ، إذ شرط ابتداء النظر تقدم العقل ؛ وليس العقل جملة العلوم الضرورية ، فإن الضرير ومن لا يدرك يتصف بالعقل مع انتفاء علوم ضرورية عنه. فاستبان بذلك أن العقل بعض من العلوم الضرورية ، وليس كلها.
وسبيل تعيينه والتنصيص عليه أن يقال : كل علم لا يخلو العاقل منه عند الذكر فيه ، ولا يشاركه فيه من ليس بعاقل ، فهو العقل. ويخرج من مقتضى السبر أن العقل علوم ضرورية بتجويز الجائزات واستحالة المستحيلات ؛ كالعلم باستحالة اجتماع المتضادات ، والعلم بأن المعلوم لا يخلو عن النفي أو الإثبات ، والعلم بأن الموجود لا يخلو عن الحدوث أو القدم.
باب
القول في حدث العالم
اعلموا أرشدكم الله أن الموحدين تواطئوا على عبارات في أغراضهم ، ابتغاء منهم لجمع المعاني الكثيرة في العبارات الوجيزة.
فمما يستعملونه ، وهو منطوق به لغة وشرعا ، العالم ، وهو كل موجود سوى الله تعالى وصفة ذاته. ثم العالم جواهر وأعراض ، فالجوهر هو المتحيز وكل ذي حجم متحيز ؛ والعرض هو المعنى