تشهد بالولاية على قطع ، إذ لو شهدت بها لأمن صاحبها العواقب ، وذلك لم يجر لولي في كرامة اتفاقا.
فإن قيل : بيّنوا مذهبكم في الجن والشياطين ، قلنا : نحن قائلون بثبوتهم ، وقد أنكرهم معظم المعتزلة ، ودل إنكارهم إياهم على قلة مبالاتهم ، وركاكة ديانتهم ، فليس في إثباتهم مستحيل عقلي. وقد نصت نصوص الكتاب والسنة على إثباتهم. وحق اللبيب والمعتصم بحبل الدين ، أن يثبت ما قضى العقل بجوازه ، ونص الشرع على ثبوته. ولا يبقى لمن ينكر إبليس وجنوده ، والشياطين المسخرين في زمن سليمان ، كما أنبأ عنهم آي من كتاب الله تعالى لا يحصيها ، مسكة في الدين ، وعلقة يتشبث بها ، والله الموفق للصواب ، وهذا غرضنا من هذا الباب.
باب
القول في الوجه الذي منه تدل المعجزة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم
اعلموا ، أرشدكم الله تعالى ، أن المعجزة لا تدل على صدق النبي ، حسب دلالة الأدلة العقلية على مدلولاتها. فإن الدليل العقلي يتعلق بمدلوله بعينه ، ولا يقدر في العقل وقوعه غير دال عليه ، وليس ذلك سبيل المعجزات.
وبيان ذلك بالمثال في الوجهين أن الحدوث لما دل على المحدث ، لم يتصور وقوعه غير دال عليه ، وانقلاب العصا حية ، لو وقع بديّا من فعل الله عزوجل من غير دعوى نبي ، لما كان دالا على صدق مدع فقد خرجت المعجزات عن مضاهات دلالات العقول.
فإن قيل : فما وجه دلالتها إذا؟ قلنا : هذا مما كثر فيه خبط من لا يحسن علم هذا الباب. والمرضي عندنا أن المعجزة تدل على الصدق من حيث تتنزل منزلة التصديق بالقول ، وغرضنا يتبين بفرض مثال ، فنقول :
إذا تصدر ملك للناس ، وتصدر لتلج عليه رعيته ، واحتفل الناس واحتشدوا ، وقد أرهق الناس شغل شاغل.
فلما أخذ كلّ مجلسه ، وترتب الناس على مراتبهم انتصب واحد من خواص الملك ، وقال : معاشر الأشهاد! قد حل بكم أمر عظيم ، وأظلكم خطب جسيم ، وأنا رسول الملك إليكم ، ومؤتمنه لديكم ، ورقيبه عليكم ، ودعواي هذه بمرأى من الملك ومسمع. فإن كنت أيها الملك صادقا في دعواي ، فخالف عادتك وجانب سجيتك ، وانتصب في صدرك وبهواك ، ثم اقعد ، ففعل الملك ذلك على وفق ما ادعاه ومطابقة هواه ، فيستيقن الحاضرون على الضرورة تصديق الملك إياه وينزل الفعل الصادر منه منزلة القول المصرح بالتصديق.