فصل
للرسول صلىاللهعليهوسلم آيات لا تحصى سوى القرآن ؛ كانشقاق القمر ، وإنطاق العجماء ، ونبع الماء من خلل الأصابع ، وتسبيح الحصى ، وتكثير الطعام القليل.
والمرضي عندنا ، أن آحاد هذه المعجزات لا تثبت تواترا ، لكن مجموعها يفيد العلم قطعا لاختصاصه بخوارق العادات ، كما أن آحاد البذل من حاتم لا تثبت تواترا ، ولكن مجموعها يفيد العلم على الضرورة بسخائه ، وكذلك القول في جسارة أمير المؤمنين «علي» رضي الله عنه ، وشجاعته. وأما انشقاق القمر ، فقد أنبأت عنه آية من كتاب الله ثبت نقلها تواترا ، فهذا القدر بالغ كاف فيما نرومه.
باب
القول في أحكام الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.
اعلموا أن أحق ما يفتتح به الباب ، معنى النّبوءة ؛ فليست النبوءة راجعة إلى جسم النبي ، ولا إلى عرض من أعراضه ، ويبطل صرفها إلى علمه بربه إذ ذلك يثبت من غير تقدير النبوءة. وباطل أيضا صرف النبوءة إلى علم النبي بكونه نبيا ، فإن المعلوم ما لم يتقرر فلا يتقرر العلم به. فإن كان النبي عالما بنبوءته فما نبوءته؟ وفيها السؤال.
فالنبوءة ترجع إلى قول الله تعالى لمن يصطفيه : «أنت رسولي». وهذا بمثابة الأحكام ، فإنها ترجع إلى قول الله تعالى. ولا تؤول إلى صفات الأفعال ، فليس للفعل الواجب صفة لوجوبه نفسية. بل الفعل المقول فيه : «افعل» ، واجب بالقول ، وذلك بمثابة المذكور الذي لا يكتسب من الذكر صفة في نفسه.
فصل
فإن قيل : بينوا لنا عصمة الأنبياء وما يجب لهم. قلنا : يجب عصمتهم عما يناقض مدلول المعجزة ، وهذا مما نعلمه عقلا ، ومدلول المعجزة صدقهم فيما يبلغون. فإن قيل : هل تجب عصمتهم عن المعاصي؟ قلنا : أما الفواحش المؤذنة بالسقوط وقلة الديانة ، فتجب عصمة الأنبياء عنها إجماعا.
ولا يشهد لذلك العقل ، وإنما يشهد العقل لوجوب العصمة عما يناقض مدلول المعجزة. وأما الذنوب المعدودة من الصغائر ، على تفصيل سيأتي الشرح عليه ، فلا تنفيها العقول ولم يقم عندي دليل قاطع سمعي على نفيها ، ولا على إثباتها. إذ القواطع نصوص أو إجماع ، ولا إجماع إذ العلماء