ثبوت ما دل الدليل السمعي على ثبوته ، وإن لم يكن قاطعا ، وإن كان مضمون الشرع المتصل بنا مخالفا لقضية العقل ، فهو مردود قطعا بأن الشرع لا يخالف العقل ، ولا يتصور في هذا القسم ثبوت سمع قاطع ، ولا خفاء به.
فهذه مقدمات السمعيات ، لا بد من الإحاطة بها ، ونحن الآن نسرد أبوابها تترى ، مستعينين بالله ، ونذكر في كل باب ما يليق به من فصول معقودة إن شاء الله.
باب الآجال
الآجال يعبر بها عن الأوقات ، فأجل كل شيء وقته ، وأجل الحياة وقتها المقارن لها ، وكذلك أجل الوفاة. فالأوقات في موجب الإطلاقات يعبر بها كثيرا عن حركات الفلك ، وولوج الليل على النهار ، والنهار على الليل.
وتحقيق القول في الأوقات أنها لا تتخصص بأجناس من الموجودات ، تخصيص الجواهر والعلوم ونحوها ، ولكن كل واقع ابتغي أن يقرن بمتجدد ، فذلك المتجدد الذي قرن به الحادث وقت له وذلك إلى قصد المؤقت وإرادته. فإذا قال قائل : قدم زيد عند طلوع الشمس ، فقد جعل الطلوع وقتا للقدوم ، وإن قال : طلعت الشمس عند قدوم زيد ، فقد جعل القدوم وقتا للطلوع.
والأصل في التوقيت ، أن يقدر المؤقت متجددا معلوما ، ويفرض فيما يؤقته استبهاما ، فيزيل الاستبهام الموهوم بضم ذكره إلى ذكر ما فرض معلوما ، ثم يجوز أن يقدر موجود متجدد وقتا ، ويجوز أن يقدر عدم وقتا ، إذا تحقق التجدد فيه في مثل قول القائل : تحرك الجوهر عند زوال السواد عنه.
وذهب بعض القدماء إلى أن كل موجود مفتقر إلى زمان ، وقضوا لذلك بثبوت أوقات لا نهاية لها ولا مفتتح ، وزعموا أن الباري لم يزل موجودا في أوقات غير متناهية ؛ وهذا لا يتحصل ، ولا معنى للزمان إلا قرن حادث بمتجدد ، أو قرن متجدد بمتجدد.
وقد أقمنا الدليل الواضح على قدم الباري تعالى ، وأوضحنا استحالة حوادث لا أول لها ، ومقتضى هذين الأصلين يقضي بفساد ما قال هؤلاء ، ولو افتقر كل موجود إلى وقت ، لافتقرت الأوقات إلى أوقات ، ثم يتسلسل القول ويؤدي إلى جهالة ، لم يلتزمها أحد من العقلاء.
والغرض من الباب أن نعلم أن كل من يقتل فقد مات بأجله. والمعنيّ بذلك أن الذي قتل قد علم الله تعالى في أزله مآل أمره ، وما علم أنه كائن فلا بد أن يكون فإن قيل : لو قدر عدم القتل فيه ، فما قولكم في تقدير موته وبقائه؟
قلنا : ذهب كثير من المعتزلة إلى أنه لو قدر عدم القتل فيه لبقي مدة ، والقاتل قاطع بذلك