أجله. وذهب آخرون إلى أنه لو لم يقتل تقديرا ، لمات حتف أنفه في الوقت الذي يقدر القتل فيه ، وذلك كله خبط لا محصول له.
والوجه القطع بأن من علم الله تعالى أنه يقتل ، لا محالة ، فإن قدّر مقدّر عدم القتل ، وقدّر معه أن يكون المعلوم أنه لا يقتل فلا يمكن مع هذا التقدير القطع بامتداد العمر ، ولا القطع بالموت في وقت القتل بدلا منه ، بل كل جائز ممكن عقلا لا يمتنع تقديره ، فهذا ما لا يسوغ غيره ، وقد شهدت آي من كتاب الله تعالى على أن كل هالك مستوف أجله ، منها قوله تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة النحل : ٦١].
فإن قيل : ما المعنيّ بقوله تعالى : (وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ) [سورة فاطر : ١١].
قلنا : المراد بهذه الآية وجهان من التأويل : أحدهما أن يكون المراد بها ، وما ينقص من عمر شخص من أعمار أضرابه ومبالغ مدة أمثاله ، وليس المراد ينقص عمره الواقع في معلوم الله ، وكيف يسوغ ذلك ، وفيه تقدير علم الله تعالى!. والوجه الثاني ، أن تحمل الزيادة والنقصان على المحو والإثبات المعتورين على صحف الملائكة ، وقد يثبت شيء في صحيفتهم مطلقا ، وهو مقيد في معلوم الله تعالى ، وعلى ذلك حمل المحققون قول الله تعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) [سورة الرعد : ٣٩].
باب الرزق
والرزق يتعلق بمرزوق ، تعلق النعمة بمنعم عليه ، والذي صح عندنا في معنى الرزق ، أن كل ما انتفع به منتفع فهو رزقه ، فلا فرق بين أن يكون متعديا بانتفاعه ، وبين أن لا يكون متعديا به.
وذهب بعض المعتزلة إلى أن الرزق هو الملك ، ورزق كل موجود ملكه ، وقد ألزم هؤلاء أن يكون ملك الباري تعالى رزقا له ، من حيث كان ملكا له ، فلم يجدوا عن ذلك انفصالا.
وزاد المتأخرون ، فقالوا : رزق كل مرزوق ما انتفع به من ملكه وهؤلاء تحرزوا عن ملك الباري تعالى لما قيدوا الملك بالانتفاع ، والرب تعالى متقدس عنه ، ويلزمهم مع هذا التقييد ، أن يقولوا : لا يدرّ على البهائم رزق الله تعالى ؛ فإنها لا تتصف بالملك وإن اتصفت بالانتفاع ، وقد قال الله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [سورة هود : ٦]. فإذا بطل ما قالوه ، لم يبق إلا صرف الرزق إلى الانتفاع من غير رعاية الملك.
فإن قالوا : هذا الأصل يلزم أن يكون الغصب رزقا للغاصب إذا انتفع به ، ثم لا وجه لمنعه من رزقه ودفعه عما رزقه الله تعالى ، وتوجيه اللائمة عليه فيه ؛ وهذا الذي استنكروه نص مذهبنا ؛ فكل منتفع بشيء مرزوق به.