ثم الرزق ينقسم إلى المحظور والمباح ، وما ذكروه من أن المرزوق لا يدفع عن رزقه ، ممنوع غير مسلم ، وظاهر تشغيبهم يعارضه قولهم : إن القدرة على الإيمان قدرة على الكفر ، فالكافر إذا عندهم معان من جهة الله تعالى على كفره ؛ فإن لم يبعد أن يكون المعاقب بكفره معانا على كفره ، لم يبعد ما ذكرناه.
ثم الذي التزموه يجر إلى شناعة لا يبوء بها ذو دين. وذلك أن من اغتذى بالحرام طول عمره ، وانصرفت انتفاعاته إلى الجهات المحظورة من كل وجه ، فيلزم أن يقال : لم يدرّ عليه من الله رزق ، وما رزقه الله قط ؛ وذلك عظيمة لا ينتحلها متدين.
ثم الرزق عندنا ينطلق على ما ينتفع به ، إذا تقرر الانتفاع به ؛ فهذا مقتضى الإطلاق. ومن اتسع ملكه ولم ينتفع به ، يقال له : لم يجعل الله ما خوله رزقا له ، ويتعذر صرف الرزق إلى محض الانتفاع في إطلاق اللسان.
فآل الكلام إلى أن الرزق هو المنتفع به ، وإن سمي الانتفاع رزقا ، فالمراد به المنتفع به ؛ إذ لو جعلنا نفس الانتفاع رزقا ، لأخرجنا الأطعمة والأشربة والأقوات عن كونها أرزاقا ، وذلك خروج عن موجب اللسان ؛ والقول في هذا الباب ، وفي الذي تقدم عليه ، يتعلق بمحض العبارة والتناقش فيها.
باب
في الأسعار
الأسعار كلها جارية على حكم الله تعالى ، وهي إثبات أقدار أبدال الأشياء ؛ إذ السعر يتعلق بما لا اختيار للعبد فيه : من عزة الوجود والرخاء ، وصرف الهمم والدواعي ، وتكثير الرغبات وتقليلها ، وما يتعلق فيها باختيار العباد ، فهو أيضا فعل الله تعالى ؛ إذ لا مخترع سواه.
وأطلقت المعتزلة القول بأن السعر من أفعال العباد ، وفيما قدمناه في خلق الأعمال مقنع في الرد عليهم.
باب
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قد جرى رسم المتكلمين بذكر هذا الباب في الأصول ، وهو بمجال الفقهاء أجدر. فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بالإجماع على الجملة ؛ ولا يكترث بقول من قال من الروافض : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، موقوفان على ظهور الإمام فقد أجمع المسلمون ،