قبل أن ينبغ هؤلاء ، على التواصي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وتوبيخ تاركه مع الاقتدار عليه. ولعلنا نذكر لمعا كافية في نقض نصوص الإمامية ، إن شاء الله.
فإذا ثبت ما قلنا أصلا ، فلا يتخصص بالأمر بالمعروف الولاة ، بل ذلك ثابت لآحاد المسلمين. والدليل عليه الإجماع أيضا. فإن غير الولاة من المسلمين في الصدر الأول ، والعصر الذي يليه ، كانوا يأمرون الولاة بالمعروف ، وينهونهم عن المنكر ، مع تقرير المسلمين إياهم ، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف من غير تقلد ولاية.
ثم حكم الشرع ينقسم إلى ما يستوي في إدراكه الخاص والعام ، من غير احتياج إلى اجتهاد ، وإلى ما يحتاج فيه إلى اجتهاد. فأما ما لا حاجة فيه إلى الاجتهاد ، فللعالم وغير العالم الأمر فيه بالمعروف والنهي عن المنكر. وأما ما اختص مدركه بالاجتهاد ، فليس للعوام فيه أمر ولا نهي ، بل الأمر فيه موكول إلى أهل الاجتهاد.
ثم ليس للمجتهد أن يتعرض بالردع والزجر على مجتهد آخر ، في موضع الخلاف ، إذ كل مجتهد في الفروع مصيب عندنا. ومن قال إن المصيب واحد ، فهو غير متعين عنده ، فيمتنع زجر أحد المجتهدين الآخر على المذهبين.
ثم الذي يتعاطى الأمر بالمعروف لو لم يكن ورعا ، لم ينحسم عنه الأمر بالمعروف ؛ إذ ما يتعين عليه في نفسه ، فرض متميز عما يتعين عليه الأمر به في غيره ، ولا تعلق لأحد الفرضين بالآخر. ثم الأمر بالمعروف فرض على الكفاية ؛ فإذا قام به في كل صقع من فيه غناء ، سقط الفرض عن الباقين.
وللآمر بالمعروف أن يصدّ مرتكب الكبيرة بفعله ، إن لم يندفع عنها بقوله : ويسوغ لآحاد الرعية ذلك ، ما لم ينته الأمر إلى نصب ، قتال وشهر سلاح ؛ فإن انتهى الأمر إلى ذلك ، ربط ذلك الأمر بالسلطان ، فاستغنى به. وإذا جار وإلى الوقت ، وظهر ظلمه وغشمه ، ولم يرعو عما زجر عن سوء صنيعه بالقول ، فلأهل الحل والعقد التواطؤ على درئه ، ولو بشهر الأسلحة ونصب الحروب.
وليس للآمر بالمعروف البحث والتنقير والتجسيس ، واقتحام الدور بالظنون ، بل إن عثر على منكر غيّره جهده.
فهذه عقود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولا يشذ منها عقد ، وتفاصيلها الشرع من مفتتحه إلى مختتمه.
باب الإعادة
مقصود هذا الباب يحصره فصلان : أحدهما في تثبيت جواز الإعادة ، والثاني في وقوعها.