فأما وقوعها فمستدرك بالأدلة السمعية ، وقد شهدت القواطع منها على الحشر والنشر ، والانبعاث للعرض والحساب والثواب والعقاب. فإن قيل : هل تعدم الجواهر ، ثم تعاد ؛ أم تبقى وتزول أعراضها المعهودة ، ثم تعاد بنيتها؟ قلنا : يجوز كلا الأمرين عقلا ، ولم يدل قاطع سمعي على تعيين أحدهما ، فلا يبعد أن تصير أجسام العباد على صفة أجسام التراب ، ثم يعاد تركيبها إلى ما عهد قبل. ولا نحيل أن يعدم منها شيء ، ثم يعاد ، والله أعلم بعواقبها ومآلها.
باب
جمل من أحكام الآخرة المتعلقة بالسمع
فمنها إثبات عذاب القبر ، ومساءلة منكر ونكير. والذي صار إليه أهل الحق إثبات ذلك ، فإنه من مجوزات العقول ، والله مقتدر على إحياء الميت ، وأمر الملكين بسؤاله عن ربه ورسوله. وكل ما جوزه العقل ، وشهدت له شواهد السمع ، لزم الحكم بقبوله ، وقد تواترت الأخبار باستعاذة رسول الله صلىاللهعليهوسلم بربه من عذاب القبر ، ونقل آحاد من الأخبار في ذلك تكلف ، ثم لم يزل ذلك مستفيضا في السلف الصالحين ، قبل ظهور أهل البدع والأهواء.
ومن الشواهد لذلك من كتاب الله تعالى ، قوله في قصة فرعون وآله : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [سورة غافر : ٤٦]. وهذا نص في إثبات عذاب القبر عليهم قبل الحشر فإنه عز من قائل ذكر ذلك ، ثم قال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [سورة غافر : ٤٦].
فإن تمسك نفاة عذاب القبر بمسالك الملحدة المستهزئين بالشرع ، وقالوا : نحن نرى الميت الذي ندفنه على حالته ، ونعلم على الضرورة كونه ميتا ، ولو تركناه صاحيا دهرا لما حال عما عهدناه عليه. وهذا من قائله ملزم بعدم الطمأنينة إلى الإيمان ، والركون إلى الإيقان ، وهو بمثابة استبعاد نشر العظام البالية ، وتأليف الأجزاء المفترقة ، في أجواف السباع ، وحواصل الطيور ، وأقاصي التخوم ، ومدارج الرياح ، إلى غير ذلك.
ثم اعلموا أن المرضي عندنا أن السؤال يقع على أجزاء يعلمها الله تعالى ، من القلب أو غيره فيحييها الرب تعالى ، فيتوجه السؤال عليها وذلك غير مستحيل عقلا ، وقد شهدت قواطع السمع به ، وما ذكروه من الإنكار والإكبار بمثابة إنكار الجاحدين رؤية رسول الله صلىاللهعليهوسلم الملائكة مع جلوسه بين أظهرهم.
فصل
فإن قيل : بينوا الروح ومعناه ، فقد ظهر الاختلاف فيه. قلنا : الأظهر عندنا ، أن الروح أجسام