لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة ، أجرى الله تعالى العادة باستمرار حياة الأجسام ما استمرت مشابكتها لها ، فإذا فارقتها يعقب الموت الحياة في استمرار العادة.
ثم الروح من المؤمن يعرج به ، ويرفع في حواصل طيور خضر إلى الجنة ، ويهبط به إلى سحيق من الكفرة ، كما وردت به الآثار. والحياة عرض تحيا به الجواهر ، والروح يحيا بالحياة أيضا ، إن قامت به الحياة. فهذا قولنا في الروح.
فصل
في الجنة والنار
الجنة والنار مخلوقتان ، إذ لا يحيل العقل خلقهما ، وقد شهدت بذلك آي من كتاب الله تعالى ، منها قوله تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة آل عمران : ١٣٣] والإعداد يصرح بثبوت الشيء وتحققه. وقال تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [سورة النجم : ١٣ ـ ١٥]. وتواترت الأخبار في قصة آدم عليهالسلام ، عن الجنة وإدخال آدم إياها ، وبدور الزلة منه فيها ، وإخراجه عنها ، ووعده الرد إليها. وكل ذلك ثابت قطعا ، متلقى من فحوى الآيات المستفيض من نقل الأثبات والثقات.
وقد أنكرت طوائف من المعتزلة خلق الجنة والنار ، وزعموا أن لا فائدة في خلقهما قبل يوم الثواب والعقاب ، وحملوا ما نصت الآية عليه في قصة آدم عليهالسلام على بستان من بساتين الدنيا ؛ وهذا تلاعب بالدين ، وانسلال عن إجماع المسلمين. وما هذوا به ، من قولهم لا فائدة في خلق الجنة والنار في وقتنا ، ساقط لا محصول له. فإن أفعال الباري تعالى لا تحمل على الأغراض على أصول أهل الحق ، وهو تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
ثم ، بم ينكرون على من يقول لهم : علم الله تعالى أن خلق الجنة والنار لطف في الإيمان والأحكام العقلية ، وذلك غير بعيد على موجب قياسهم في اللطف والصلاح والأصلح؟
فصل
في الصراط
والصراط ثابت على حسب ما نطق به الحديث ، وهو جسر ممدود على متن جهنم ، يرده الأولون والآخرون. وإذا توافرا إليه قيل للملائكة : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [سورة الصافات : ٢٤].
والميزان حق ، وكذلك الحوض والكتب التي يحاسب عليها الخلائق ، ولا تحيل العقول شيئا من ذلك. ودلالة السمع ثابتة على قطع في جميع ما ذكرناه.