بين الشفاعة وبين أن يدخل شطر أمتي الجنة ، فاخترت الشفاعة ، فإنها أشفى» (١). وأجمع المسلمون قبل ظهور البدع ، على الرغبة إلى الله تعالى في أن يرزقهم الشفاعة ، وذلك مجمع عليه في العصور الماضية لا ينكر على مبديه.
فإذا شهد العقل بالجواز ، وعضدته شواهد السمع ، فلا يبقى بعد ذلك للإنكار مضطرب ، وفيما ذكرناه ردّ على فئة صاروا إلى أن الشفاعة ترفع الدرجات ولا تحط السيئات ؛ فإن الأخبار المأثورة شاهدة بتعلق الشفاعة بأصحاب الكبائر ، وكذلك الرغبات في التشفيع لم تزل تصدر من المتقين ومن الخاطئين ، ولا يبدو نكير على مبتهل إلى الله تعالى في تشفيع نبيّ فيه.
باب
في الأسماء والأحكام
فصل
اعلموا أن غرضنا في هذا الفصل يستدعي تقديم ذكر حقيقة الإيمان ، وهذا مما اختلفت فيه مذاهب الإسلاميين.
فذهبت الخوارج إلى أن الإيمان هو الطاعة ، ومال إلى ذلك كثير من المعتزلة ، واختلفت مذاهبهم في تسمية النوافل إيمانا. وصار أصحاب الحديث إلى أن الإيمان معرفة بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان. وذهب بعض القدماء إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب والإقرار بها. وذهبت الكرامية إلى أن الإيمان هو الإقرار باللسان فحسب. ومضمر الكفر إذا أظهر الإيمان مؤمن حقا عندهم ، غير أنه يستوجب الخلود في النار. ولو أضمر الإيمان ولم يتفق منه إظهاره ، فهو ليس بمؤمن ، وله الخلود في الجنة.
والمرضي عندنا ، أن حقيقة الإيمان التصديق بالله تعالى ، فالمؤمن بالله من صدقه. ثم التصديق على التحقيق كلام النفس ، ولكن لا يثبت إلا مع العلم ، فإنا أوضحنا أن كلام النفس يثبت على حسب الاعتقاد. والدليل على أن الإيمان هو التصديق صريح اللغة وأصل العربية ، وهذا لا ينكر فيحتاج إلى إثباته. وفي التنزيل : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) [سورة يوسف : ١٧] معناه وما أنت بمصدق لنا.
ثم الغرض من هذا الفصل ، أن من مذهب أهل الحق وصف الفاسق بكونه مؤمنا ، والدليل
__________________
ـ باب ٣٧. أحمد في مسنده (٣ / ٢١٣).
(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة باب ١٣. ابن ماجه في كتاب الزهد باب ٣٧. أحمد في مسنده (٢ / ٧٥) (٤ / ٤٠٤ ، ٤١٥).