فإن قيل : لو أطاع العبد ثم ندم على الطاعة ، فما قولكم فيه؟ قلنا : لا يتصور من العارف بالله تعالى أن يندم على طاعته ؛ فإن ندم على أمر يرجع إلى نفسه من مضرة لحقته فلا بعد فيه ؛ وإنما الذي قلناه الندم على الطاعة من حيث كانت طاعة.
وغرضنا بهذه المقدمة أن القاضي رحمهالله أوجب تجديد الندم كما تقدم. ثم قال : إن لم يجدد ندما ، كان ذلك معصية جديدة ؛ والتوبة الأولى مضت على صحتها ، إذ العبادة الماضية لا ينقضها شيء بعد تصرمها. ثم قال : يجب تجديد ندم على تلك السيئة ، ويجب ندم على ترك الندم وقت حكمنا بوجوبه ، فهذا قوله.
وعندي أن ذلك من مسائل الاحتمال ، والتوبة من العبادات. ولا يجب أن يكون جميع الكلام فيه قطعيا ، بل لا يبعد أن يقع فيه مجتهد فيه.
فصل
الكافر إذا آمن بالله تعالى ، فليس إيمانه توبة عن كفره ، وإنما ندم على كفره. فإن قيل : فلو آمن ولم يندم على كفره؟ قلنا : ذلك عندنا غير ممكن ، بل يجب مقارنة الإيمان الندم على الكفر. ثم وزر الكفر ينحط بالإيمان والندم على الكفر إجماعا ، وهذا موضع قطع ؛ وما عداه ، من ضروب التوبة ، فقبوله مظنون غير مقطوع به كما ذكرناه.
فصل
من تاب وصحت توبته ، ثم عاود الذنب فالتوبة الماضية صحيحة ، والغرض مما ذكرناه أن تعلموا أن التوبة عبادة من العبادات يقضى بصحتها وفسادها. فإذا سيقت على شرائطها ، لم يقدح في صحتها ما يقع بعد مضيّها ، وعلى معاود الذنب تجديد التوبة ؛ ثم هذه التوبة عبادة أخرى سوى التي ذكرناها. فهذه أصول التوبة ذكرناها ولا يشذ منها مقصد يليق بالمعتقدات.
القول
في الإمامة
الكلام في هذا الباب ليس من أصول الاعتقاد ، والخطر على من يزل فيه يربى على الخطر على من يجهل أصله ويعتوره نوعان محظوران عند ذوي الحجاج ، أحدهما ميل كل فئة إلى التعصب وتعدي حد الحق ، والثاني من المجتهدات المحتملات التي لا مجال للقطعيات فيها. وقد صنف القاضي وغيره من أئمتنا ، رضي الله عنه وعنهم ، كتبا مبسوطة في الإمامة ، وفيها مقنع للمستبصر ، وإرشاد بالغ لمن يروم الغاية ودرك النهاية.
وغرضنا في هذا المعتقد ، أن ننص على أصول الباب ، فنذكر القواطع منها ، ونميز