المجتهدات عن القطعيات ، مستعينين بالله تعالى. والترتيب يقضي تقديم طرف من الكلام في الأخبار ومنازلها ، فإنها مبنى الإمامة.
باب
في تفاصيل الأخبار
فإن قيل : اذكروا حقيقة الخبر أولا ، ثم فصّلوه. قلنا : الخبر ما يوصف بالصدق أو الكذب ، وهذا يميزه مما عداه من الكلام ، ويميزه عن أقسام الكلام أيضا. فإن الأمر ، والنهي ، والتلهف ، والاستخبار ونحوها ، لا يوصف شيء منها بالصدق ولا بالكذب.
ثم الخبر ينقسم : فمنه ما يعلم صدقه قطعا ، ومنه ما يعلم كونه كذبا قطعا ، ومنه ما يجوز فيه تقدير الصدق أو الكذب ، فأما الخبر الصدق قطعا ، فما وافق مخبره المعلوم قطعا ، بضرورة أو دليل قاطع ، كالخبر عن المحسوسات على ما هي عليه ، والخبر عن كل ما يعلم ضرورة. ويتصل بذلك الخبر عما يعلم نظرا إذا وافق مخبره المعلوم. وما علم كونه كذبا قطعا فهو ما يخالف مخبره المعلوم ضرورة ونظرا فهو كالإخبار عن المحسوسات على خلاف حكم تعلق الحواس بها ، وكالإخبار عن قدم العالم مع قيام الأدلة القاطعة على حدثه. وما يتردد من الأخبار ، فهو ما يتعلق بجائز لا يستحيل فيه تقدير النفي ولا تقدير الإثبات.
ثم ينقسم الخبر بعد ذلك انقساما هو غرضنا ، فمنه ما لا يترتب عليه العلم بالمخبر عنه ، ومنه ما يترتب عليه العلم بالمخبر عنه. فأما ما يعقب علما بمخبره ، فهو الخبر المتواتر ؛ فإذا توافرت شرائطه وتكاملت صفاته ، استعقب العلم بالمخبر عنه على الضرورة. وبه نعلم البلاد النائية التي لم نشهدها ، والوقائع والدول التي لم تقع في عصرنا ، وبه تتميز في حق الإنسان والدته عن غيرها من النساء. وجاحد العلم بذلك جاحد للضرورة ومتشكك في المعلوم على البديهة.
ثم الخبر المتواتر لا يوجب العلم بالمخبر عنه لعينه ، وإنما سبيل إفضائه إلى العلم بالمخبر عنه استمرار العادات. ومن جائزات العقول أن يخرق الله العادة ، فلا يخلق العلم بالمخبر عنه ، وإن تواترت الأخبار عنه ، وكذلك يجوز على خلاف العوائد أن يخلق العلم الضروري على أثر إخبار الواحد ، ولكن العادات مستمرة على حسب ما ذكرناه.
فإن رام متعسّف قدحا ، وقال : كل واحد من المخبرين ، لو انفرد بإخباره لم يفد علما ، وانضمام خبر غيره إلى خبره لا يحيل حكم خبره ؛ فيلزم أن لا يفيد مجموع الإخبار ما لم يفده الخبر الواحد. وهذا الذي ذكروه لا تحصيل له ؛ فإنا أوضحنا أن الخبر المتواتر لا يوجب العلم بالمخبر عنه ، وإنما يعقبه العلم مع استمرار العادة ما ثبتت مستمرة ، وإنما استمرت العادة ، كما ذكرناه عند إخبار عدد التواتر. ونظير ذلك من مستمر العادة أنه لا يبعد قيام شخص واحد في وقت معين ؛ ولو قيل قام في هذا الوقت عدد كثير