والذي عندي أن إجماع علماء سائر الأمم في الأحكام على موجب ما طردناه يوجب العلم جريا على مستقر العادة وهذا أحسن بالغ ، وسنبسطه في كتاب الشامل إن شاء الله تعالى ، ونذكر طرقا مستحسنة في الإجماع إن شاء الله عزوجل ، وقد حان أن نخوض في الإمامة.
باب
في إبطال النص وإثبات الاختيار
ذهبت الإمامية إلى أن النبي صلىاللهعليهوسلم نص على تولية علي عليهالسلام على الإمامة بعده ، وأن من تولاها ظالمه وكان مستأثرا بحقه.
فنقول لهؤلاء : أتعلمون أن النص عليه ثابت ، أم تجوزونه؟ فإن علمتموه فما الطريق إليه؟ والعقل لا يقضي تنصيصا على شخص معين. فإن ردوا ما ادعوه من العلم إلى الخبر ، قيل لهم : الخبر ينقسم إلى ما يتواتر ، وإلى ما يعد من الآحاد ؛ وليس معكم نص منقول على التواتر ، وخبر الواحد لا يعقب العلم. فمن أي وجه ادعيتم العلم بالنص؟ وقد أطبقت الإمامية على أن أخبار الآحاد لا توجب العمل ، فضلا عن العلم.
فإن تعسف متعسف ، وادعى التواتر والعلم الضروري بالنص على عليّ رضي الله عنه ، فذلك بهت ، وهو دأب الروافض. فيجب أن يقابلوا على الفور بنقيض دعواهم في النص على أبي بكر رضي الله عنه. ثم لا شك في تصميم من عدا الإمامية على نفي النص ، والعلم الضروري لا يجمع على نفيه من ينحط عن معشار أعداد مخالفي الإمامية. ولو جاز رد الضروري في ذلك ، لجاز أن ينكر طائفة بغداد والبصرة والصين الأقصى وغيرها ، وذلك يغني بوضوحه عن كشفه.
فإن قيل : قد أبديتم قاطعا في منع الإمامية من ادعاء النص ، فهل تعلمون عدم النص على عليّ عليهالسلام ؛ أم تستريبون فيه؟ قلنا : إن ادعى الإمامية نصا جليا على عليّ عليهالسلام في مشهد من الصاحبة ومحفل عظيم ، فنعلم قطعا بطلان هذه الدعوى. فإن مثل هذا الأمر العظيم لا ينكتم في مستقرّ العادة ، كما لم ينكتم تولية رسول الله صلىاللهعليهوسلم معاذا اليمن ، وزيدا وأسامة بن زيد ، وعقد الولاية لهم ، وتفويض الجيوش إليهم ، واجتباء الأخرجة إلى بعضهم. وكما لم يخف تولية أبي بكر عمر ، وجعل عمر الأمر شورى بينهم ، ولو جوزنا انكتام هذه الأمور الظاهرة ، لم نأمن من أن يكون القرآن عورض ثم كتمت معارضته ، وكل أصل في الإمامة يكر على إبطال النبوءة فهو حري بالإبطال.
فهذا إن ادعوا نصا شائعا لا اعتلال فيه ، فيضطر إلى استحالة كتمانه وترك اللهج به ، سيما في عصر أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقرب العهد بالنص المدعى ، والاختلاف في عين الإمام يوم السقيفة.
وإن ادعوا نصا خفيا غير مظهر ، فنعلم أنه لا سبيل إلى علمه ، ثم نعلم بطلانه بالإجماع على خلافه ؛ مع ثبوت الإجماع مقطوعا به ، وبذلك ندرأ سؤال من قال : خبر الواحد إن لم يوجب العلم فهو موجب للعمل ، فاعملوا بما نقلناه. قلنا : ما نقلتموه لا نستجيز قبوله ، وأحسن أحوالكم عندنا