وخور طبيعة عن ضرب الرقاب والتنكيل بمستوجبي الحدود. ويجمع ما ذكرناه الكفاية ، وهي مشروطة إجماعا.
ومن شرائطها عند أصحابنا ، أن يكون الإمام من قريش إذ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الأئمة من قريش» (١) ، وقال : «قدموا قريشا ولا تقدموها». وهذا مما يخالف فيه بعض الناس ، وللاحتمال فيه عندي مجال ، والله أعلم بالصواب.
ولا خفاء باشتراط حرية الإمام وإسلامه. وأجمعوا أن المرأة لا يجوز أن تكون إماما ، وإن اختلفوا في جواز كونها قاضية فيما يجوز شهادتها فيه.
باب
القول في إثبات إمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي
رضي الله عنهم أجمعين
أما إمامة أبي بكر رضي الله عنه فقد ثبتت بإجماع الصحابة فإنهم أطبقوا على بذل الطاعة والانقياد لحكمه ، واستوى في ذلك من يعتزي الروافض إلى التكذب عليه وغيرهم ؛ فإن أبا ذرّ ، وعمارا ، وصهيبا ، وغيرهم ، من الذين كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم ، اندرجوا تحت الطاعة على بكرة أبيهم. وكان علي رضي الله عنه مطيعا له ، سامعا لأمره ، ناهضا إلى غزوة بني حنيفة ، متسرّيا بالجارية المغنومة من مغنمهم.
وما تخرص به الروافض ، من إبداء على شراسا وشماسا في عقد البيعة له ، كذب صريح. نعم لم يكن رضي الله عنه في السقيفة ؛ وكان مستخليا بنفسه ، قد استفزه الحزن على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ثم دخل فيما دخل الناس فيه ، وبايع أبا بكر على ملأ من الإشهاد.
فإن قيل : دلّوا على كونه مستجمعا لشرائط الإمامة. قلنا : في ذلك مسلكان : أحدهما الاجتزاء بالإجماع على إمامته ، ولو لم يكن صالحا لها ، لما أجمعوا على اتصافه بها ؛ ثم إن فصلنا ، وهي الطريقة الثانية ، قلنا : من شرائط الإمامة عند أقوام كون الإمام من قريش. وقد كان رضي الله عنه من صميمها. ومن شرائطها العلم ونحن على اضطرار نعلم أنه كان من أحبار الصحابة ومفتيهم ، لا ينكر عليه أحد في تصديه للتحليل والتحريم. وأما الورع فنقطع به في زمن النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويعلم دوامه ، إذ لم يثبت قادح فيه مقطوع به ، وإجماع الصحابة على إمامته مع تشميرهم للبحث عن الدين أصدق آية على ورعه ؛ وورعه نقل إلينا نقل جود حاتم ، وشجاعة عمرو بن معدي كرب ، وغيرهما ، فلا معنى للمماراة فيه ؛ وأما شهامته وكفايته ، فقد شهدت بها عليه أثاره ، ودلت عليها سيرته.
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٣ / ١٢٩ ، ١٨٣) (٤ / ٤٢١).