نفسه ، وهي غير معللة بزائد على الجوهر ، فكانت من صفات النفس ؛ وكون العالم عالما ، معلل بالعلم القائم بالعالم ، فكانت هذه الصفة وما يضاهيها في غرضنا من الصفات المعنوية.
وسبيلنا أن نتعرض في هذا المعتقد لإثبات العلم بالصفات النفسية الثابتة للباري تعالى ، ونفتتحها بالنظر في ثبوت وجوده.
فإن قال قائل : قد دللتم فيما قدمتم على العلم بالصانع ، فبم تنكرون على من يقدر الصانع عدما؟ قلنا : العدم عندنا نفي محض وليس المعدوم على صفة من صفات الإثبات ، ولا فرق بين صانع منفي ، وبين تقدير الصانع منفيا من كل وجه ؛ بل نفي الصانع وإن كان باطلا بالدليل القاطع ، فالقول به متناقض في نفسه ، والمصير إلى إثبات صانع منفي متناقض. وإنما يلزم القول بالصانع المعدوم المعتزلة ، من حيث أثبتوا للمعدوم صفات الإثبات ، وقضوا بأن المعدوم على خصائص الأجناس.
والوجه المرضي أن لا يعد الوجود من الصفات ، فإن الوجود نفس الذات ، وليس بمثابة التحيز للجوهر ، فإن التحيز صفة زائدة على ذات الجوهر ، ووجود الجوهر عندنا نفسه من غير تقدير مزيد. والأئمة رضي الله عنهم متوسعون في عد الوجود من الصفات ، والعلم به علم بالذات.
فصل
الدليل على قدم الباري تعالى
فإن قيل : ما الدليل على قدم الباري تعالى بعد ثبوت العلم بوجوده ، وما حقيقة القدم أولا؟ قلنا : ذهب بعض الأئمة إلى أن القديم هو الذي لا أول لوجوده.
وقال شيخنا (١) رحمة الله عليه : كل موجود استمر وجوده وتقادم زمنا متطاولا ، فإنه يسمى قديما في إطلاق اللسان ، قال الله تعالى : (حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [سورة يس : ٣٩].
وغرضنا نصيب الدليل على أن وجود القديم غير مفتتح ، والدليل عليه أنه لو كان حادثا لا فتقر إلى محدث ، وكذلك القول في محدثه ، وينساق ذلك إلى إثبات حوادث لا أول لها ، وقد سبق إيضاح بطلان ذلك.
فإن قيل : في إثبات موجود لا أول له إثبات أوقات متعاقبة لا نهاية لها ، إذ لا يعقل استمرار وجود إلا في أوقات ، وذلك يؤدي إلى إثبات حوادث لا أول لها ؛ قلنا : هذا زلل ممن ظنه ، فإن الأوقات يعبر بها عن موجودات تقارن موجودا ، وكل موجود أضيف إلى مقارنة موجود به فهو وقته ، والمستمر في العادات التعبير بالأوقات عن حركات الفلك ، وتعاقب الجديدين.
__________________
(١) هو أبو القاسم عبد الجبار بن علي الأسفرايني تلميذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الأسفرايني ، الذي تخرج على أبي الحسن الباهلي تلميذ أبي الحسن الأشعري. انظر مقدمة الشيخ الكوثري للعقيدة النظامية ط القاهرة عام ١٩٤٨ ص ٦.