والدليل على بطلان ما قالوه ، أنه لو قبل الحوادث لم يخل منها ، لما سبق تقريره في الجواهر ، حيث قضينا باستحالة تعرّيها عن الأعراض ، وما لم يخل من الحوادث لم يسبقها ، وينساق ذلك إلى الحكم بحدث الصانع.
ولا يستقيم هذا الدليل على أصول المعتزلة مع مصيرهم إلى تجويز خلو الجواهر عن الأعراض ، على تفصيل لهم أشرنا إليه ، وإثباتهم أحكاما متجددة لذات الباري تعالى من الإرادات الحادثة القائمة ، لا بمحال على زعمهم. ويصدهم أيضا عن طرد دليلهم في هذه المسألة ، أنه إذا لم يمتنع تجدد أحكام للذات من غير أن تدل على الحدث ، لم يبعد مثل ذلك في اعتوار أنفس الأعراض على الذات.
ونقول للكرّامية : مصيركم إلى إثبات قول حادث مع نفيكم اتصاف الباري به تناقض ، إذ لو جاز قيام معنى بمحل غائبا من غير أن يتصف بحكمه ، لجاز شاهدا قيام أقوال وعلوم وإرادات بمحال من غير أن تتصف المحال بأحكام موجبة عن المعاني ، وذلك يخلط الحقائق ويجر إلى جهالات. ثم نقول لهم : إذا جوزتم قيام ضروب من الحوادث بذاته ، فما المانع من تجويز قيام ألوان حادثة بذاته على التعاقب ، وكذلك سبيل الإلزام فيما يوافقوننا على استحالة قيامه به سبحانه من الحوادث ، ومما يلزمهم تجويز قيام قدرة حادثة وعلم حادث بذاته ، على حسب أصلهم في القول والإرادة الحادثتين ، ولا يجدون بين ما جوزوه وامتنعوا منه فصلا.
ونقول أيضا : إذا وصفتم الرب تعالى بكونه متحيزا ، وكل متحيز حجم وجرم ، فلا يتقرر في المعقول خلو الأجرام عن الألوان ، فما المانع من تجويز قيام الألوان بذات الرب. ولا محيص لهم عن شيء مما ألزموه.
فصل
في الدليل على استحالة كون الرب تعالى جوهرا
والتنصيص على نكت في الرد على النصارى
الجوهر في اصطلاح المتكلمين هو المتحيز ، وقد أوضحنا الدليل على استحالة كون الباري تعالى متحيزا. وقد يحد الجوهر بالقابل للأعراض ، وقد تبين استحالة قبول الباري سبحانه وتعالى للحوادث. ومن وصف الباري تعالى بكونه جوهرا ، قسم الكلام عليه ، وقيل له : إن أردت بتسميته جوهرا اتصافه بخصائص الجواهر ، فقد سبقت الأدلة على استحالة ذلك عليه. وإن أردت التسمية من غير وصفه بحقيقته وخاصيته ، فالتسميتان تتلقى من السمع ؛ إذ العقول لا تدل عليها ، وليس يشهد لهذه التسمية دلالة سمعية ، ولا يسوغ في شيء من الملل التحكم بتسمية الباري تلقينا.