صلوات الله عليه ، ولذلك كان يقلب العصا ثعبانا مبينا ، ويفلق البحر أفلاقا ، كالأطواد ، إلى غير ذلك من آياته عليهالسلام؟
والذي انتحلوا فاسد معتقدهم من أجله ، ما ظهر على يد عيسى صلىاللهعليهوآلهوسلم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله. فإذا عورضوا بآيات غيره من الأنبياء عليهمالسلام ، اضطربت مذاهبهم ، ولم يرجعوا إلى محصول ، إذ أصلهم أن الاتحاد لم يقع إلا بالمسيح عليهالسلام.
ثم مذهبهم أن الأقانيم آلهة ، والنصارى مع اختلاف فرقها مجتمعون على التثليث ؛ فنقول لهم : كل أقنوم لا يتصف عندكم بالوجود على حياله ، فكيف يتصف بالإلهية ما لا يتصف بالوجود؟
وسنقيم واضح الأدلة على أن الإله يجب أن يكون حيا عالما قادرا ، فلو كان أقنوم العلم إلها لوجب أن يكون حيا قادرا. ثم يقال لهم : هلا جعلتم الآلهة أربعة : الجوهر ، والوجود ، والحياة ، والعلم؟ لو لا الركون إلى محض التحكم في الدين!.
ثم أطبقت النصارى على أن المسيح إله ، وأطبقوا على أنه ابن ، واتفقوا على أنه لاهوت وناسوت ، وهذه مناقضات ؛ فإن إطلاق اسم الإله يمحض حكم الإلهية ، وليس المسيح إلها محضا. ثم أطبقوا على أن المسيح صلب ، ولما روجعوا قالوا : المصلوب الناسوت ، والناسوت المحض ليس هو المسيح. ونعتضد الرد عليهم بإثبات الوحدانية ، وفيما قلناه أكمل مقنع.
باب
العلم بالوحدانية
الباري سبحانه وتعالى واحد ، والواحد في اصطلاح الأصوليين الشيء الذي لا ينقسم ، ولو قيل الواحد هو الشيء لوقع الاكتفاء بذلك. والرب سبحانه وتعالى موجود فرد ، متقدس عن قبول التبعيض والانقسام. وقد يراد بتسميته واحدا أنه لا مثل له ولا نظير. ويترتب على اعتقاد حقيقة الوحدانية. إيضاح الدليل على أن الإله ليس بمؤلف ؛ إذ لو كان كذلك ، تعالى الله عنه وتقدس ، لكان كل بعض قائما بنفسه عالما حيا قادرا ، وذلك تصريح بإثبات إلهين.
والغرض من ذلك يبتنى على أن حكم العلم يختص بما قام به ، وكذلك القول في جملة المعاني الموجبة أحكامها لما قامت به. ولو قدر بعضين ، وحكم بقيام العلم والقدرة والحياة بأحدهما ، فهو الإله ، والزائد عليه قديم على هذا التقدير غير متصف بأوصاف الألوهية ، وذلك ما نوضح بطلانه في آخر هذا الباب. فإذا ، اتضح المراد من حقيقة الوحدانية على الجملة.