عن كونه قادرا أصلا ، وإثبات قديم غير قادر على مقدور ولا عالم بمعلوم ولا حي بحياة تحكم بادعاء ما لا دليل عليه. وليس غرضنا في هذا المعتقد الدليل على نفيه ، ومقصودنا التعرض لنفي قديمين يقدر لكل واحد منهما حكم الإلهية.
على أن القديم واجب وجوده ، إذ لو قدر انتفاؤه لما وقع ممكن ، إذ الممكن لا يقع بنفسه ؛ وفي العلم البديهي بجواز وقوع الممكنات ما يقتضي القطع بوجوب وجود القديم ، وفي الحكم بجوازه انقلاب الواجب جائزا. فلو أثبتنا قديما غير مؤثر ، لكان لا يجب وجوده ، إذ لا يتعلق بوجوده جواز جائز من الأفعال. فإذا كان جائزا امتنع كونه قديما إذ القديم يجب وجوده ، والجائز يفتقر وقوعه إلى مقتض ، والحكم بالجواز والقدم متناقض.
وإن قال السائل : خلق الجواهر مقدور للذي لم نصفه بالاقتدار على الأعراض ؛ فنقول : الجوهر الفرد العري عن الأعراض غير ممكن ، ولا يتعلق الاقتدار إلا بممكن ، وحق المقتدر على الاختراع أن يتمكن من إيقاع مقدوره ؛ وهذا القدر كاف فافهمه.
وهذه جمل كافية في إثبات العلم بالصفات الواجبة النفسية ، وقد ضمّنّاها وأدرجنا فيها ما يستحيل على الباري تعالى ، حيث نفينا عنه خصائص الجواهر والأعراض ، ونصبنا الأدلة على تقدسه عن أحكام الأجسام. وما ذكرناه يغني عن التعرض لكثير مما يرسمه المتكلمون فيما يستحيل على الباري تعالى.
وإذا سئل العاقل عما يستحيل على ربه ، فالعبارة الوجيزة في الجواب أن يقول : يستحيل عليه كل ما يدل على حدثه ؛ ويندرج تحت ذلك استحالة تميزه ، وقبوله للحوادث ، وافتقاره إلى محل يحله.
وكل ما ذكرناه أحد قسمي الصفات الواجبة ، وهي النفسية منها ، فأما المعنوية فها نحن نبتديها.
باب
إثبات العلم بالصفات المعنوية
اعلموا أرشدكم الله تعالى أن الكلام في هذا الباب يتشعب ، وهو عمدة أهل التوحيد. وغرضنا على مقدار قصدنا ضبط ركنين : أحدهما إثبات العلم بأحكام الصفات ، والثاني إثبات العلم بالصفات الموجبة لأحكامها.
فأما الأحكام ، فمما نصدر الباب به أن نوضح كون صانع العالم قادرا عالما ، ولا حاجة بنا بعد