بسم الله الرّحمن الرّحيم
المقدمة
لمحة عن عصر المؤلف وحياته
إنه لا يغيب عن أحد أبدا ما وصلت إليه النهضة العلمية والفكرية والأدبية والفلسفية في العصر العباسي بالرغم من كثرة القلاقل وتزاحم الفتن وتعدد المذاهب والآراء ، أضف إلى ذلك المنزلة الواهية التي انحطت إليها الخلافة وينتج عن ذلك كثير من الدويلات كالحمدانية بالجزيرة والسامانية فيما وراء النهر ، ثم الفساد الإداري وجور الولاة والسلاطين مما أدى إلى اضطراب الحياة الاجتماعية في ذلك العصر.
بالرغم من كل هذا فإن الحقبة تلك كانت من أزهى حقبات الزمان وأغزرها فكرا وعلما وفنا ، حيث الأمراء والولاة يتنافسون على تشجيع العلماء والشعراء والنابغين في بلاد اجتمعت فيها ثقافات أمم مختلفة ـ العرب ، فارس ، الروم ، اليونان ، والهند ـ فتعددت بذلك المذاهب وانتشرت الآراء والأفكار ، وراح كل مذهب يحاول الظهور والانتصار على غيره من المذاهب فكان لا بدّ من بروز فكر جديد قائم على الإقناع والبرهان.
ومن هذه المذاهب التي انتشرت آنذاك المعتزلة الذين مجدوا العقل ، والشيعة الذين ينتظرون الإمام ، والرافضة الذين لا يتوانون أبدا للسيطرة على الحكم ، والفلاسفة الذين يحاولون بكل جهد أن يبثوا أفكارهم ، ثم الأشاعرة الذين انبروا لدحض كل باطل ونصر كل عقيدة سليمة قائمة على الكتاب والسنة. وكان من بين العلماء الذين تصدوا للدفاع عن العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة مؤلف كتاب «الإرشاد».
المؤلف (١)
هو عبد الملك ابن الشيخ أبي محمد عبد الله بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن محمد بن حيويه ، أبو المعالي الجويني ـ وجوين من قرى نيسابور ـ الملقب بإمام الحرمين لمجاورته بمكة أربع
__________________
(١) من البداية والنهاية لابن كثير.