بالحرارة والبرودة واللين والخشونة ؛ فهل تصفون الرب تعالى بأحكام هذه الإدراكات ، أم تقتصرون على وصفه بكونه سميعا بصيرا؟ قلنا : الصحيح المقطوع به عندنا وجوب وصفه بأحكام الإدراكات ، إذ كل إدراك ينفيه ضد فهو آفة ، فما دل على وجوب وصفه بأحكام السمع والبصر فهو دال على وجوب وصفه بأحكام الإدراكات.
ثم يتقدس الرب سبحانه وتعالى عن كونه شامّا ذائقا لامسا ، فإن هذه الصفات منبئة على ضروب من الاتصالات ، والرب يتعالى عنها. ثم هي لا تنبئ عن حقائق الإدراكات ؛ فإن الإنسان يقول شممت تفاحة فلم أدرك ريحها ؛ ولو كان الشم دالّا على الإدراك ، لكان ذلك بمثابة قول القائل : أدركت ريحها ولم أدركه ، وكذلك القول في الذوق واللمس.
فصل
الرّب سبحانه وتعالى باق مستمرّ الوجود ، وكان الترتيب الذي بنينا عليه الكلام في الصفات يقتضي أن تعدّ هذه الصفة في الأبواب المشتملة على ذكر صفات النفس ؛ فإن الذي نرتضيه ، أن الباقي باق لنفسه ، وليس كونه باقيا من الأحكام التي توجبها المعاني ، وسنوضح ذلك من بعد إن شاء الله عزوجل.
وكلّ ما دلّ على قدم الباري تعالى ، واستحالة عدمه ، ووجوب وجوده ، فهو دال على كونه تعالى باقيا.
والذي ذكرناه لمع مغنية في إثبات العلوم بأحكام الصفات الموجبة.
ونحن الآن نخوض في إثبات العلم بالصفات الموجبة للذات أحكامها ، مستعينين بالله تعالى.
باب
القول في إثبات العلم بالصفات
مذهب أهل الحق أن الباري سبحانه وتعالى حيّ ، عالم ، قادر ؛ له الحياة القديمة ، والعلم القديم ، والقدرة القديمة ، والإرادة القديمة.
واتفقت المعتزلة ومن تابعهم من أهل الأهواء على نفي الصفات ، ثم اختلفت آراؤهم في التعبير عن وصفه بأحكام الصفات ؛ فقال قائلون : إنه حيّ ، عالم قادر لنفسه.
واختار آخرون عبارة أخرى ، فقالوا : هذه الأحكام ثابتة للذات لكونه على حالة هي أخص صفاته ، وتلك الحالة توجب له كونه حيّا عالما قادرا.