قائمة بذات الباري تعالى ؛ فإن زعم أنها ثابتة في غير محل ، ردّ عليه بما رد على مثبتي الإرادات الحادثة في غير محل وإن زعم أنها تقوم بذات الرب ، كان الرد عليه كالرد على الكرامية الصائرين إلى أن الحوادث تقوم بذات الرب سبحانه وتعالى عن قولهم وإن زعم أنها تقوم بأجسام ، لزم أن يجوّز قيام علم بجسم والمتصف بحكمه جسم آخر ، طردا لما يجوزه من قيام العلم بجسم مع رجوع حكمه إلى الله تعالى. فإذا بطلت الأقسام ، ولا مزيد عليها ، أذن بطلانها بفساد المذهب المنقسم إليها.
فإن قيل : الباري سبحانه كان عالما في أزله بأن العالم سيقع ، فلما وقع فيما لا يزال كان ذلك معلوما متجددا ، ويتصف الباري تعالى عند وقوع العالم بكونه عالما بوقوعه ؛ وإذا تجدد له حكم واتصاف اقتضى ذلك تجدد موجب للحكم ومقتض له ، وذلك يقضي بالعلوم المتجددة.
قلنا لا يتجدد للباري سبحانه وتعالى حكم لم يكن ، ولا تتعاقب عليه الأحوال ، إذ يلزم من تعاقبها ما يلزم من تعاقب الحوادث على الجواهر ؛ بل الباري تعالى متصف بعلم واحد ، متعلق بما لم يزل ، ولا يزال ، وهو يوجب له حكم الإحاطة بالمعلومات على تفاصيلها ، ولا يتعدد علمه بتعدد المعلومات ، وإن كانت العلوم الحادثة تتعدد بتعدد المعلومات.
ثم كما لا يتعدد إذا تعددت المعلومات ، فكذلك لا يتجدد إذا تجددت.
والذي يوضح الحق في ذلك ؛ أن من اعتقد بقاء العلم الحادث ، ثم صور علما متعلقا بأن سيقدم زيد غدا ، وقرر استمرار العلم بتوقع قدومه إلى قدومه ، فإذا قدم لم يفتقر إلى علم متجدد بوقوع قدومه ، إذ قد سبق له العلم بقدومه في الوقت المعين.
وآية ذلك أنا لو قدرنا اعتقاد دوام العلم كما صورناه ، ولم نفرض عند وقوع القدوم علما آخر سوى ما قدمنا دوامه ، وقلنا لا يتعلق العلم السابق بالوقوع ، للزم كونه جاهلا بالوقوع في وقته أو غافلا عنه مع تقدير دوام العلم بالقدوم المرقوب في الوقت المعين ، وذلك باطل على الضرورة.
وليس من معتقدنا المصير إلى بقاء العلوم الحادثة ، ولكن الأدلة العقلية تبني على الحقائق مرة ، وعلى تقدير اعتقادات أخرى ، فإذا لم يلزم شاهدا تجدد علوم عند تجدد المعلومات في حق من سبق له العلم بوقوعها في الاستقبال ، فلأن لا يلزم ذلك في حق الباري تعالى أولى فافهم.
فصل
الباري سبحانه وتعالى متكلم ، آمر ، ناه مخبر ، واعد ، متواعد. وقد قدمنا في خلال إثبات أحكام الصفات المعنوية ، الطريق إلى إثبات العلم بكون الرب تعالى متكلم عند إسنادنا نفي النقائص إلى السمع ، وتوجيهنا على أنفسنا السؤال عما يثبت للسمع.
فإذا وضح كون الباري تعالى متكلما ، فقد آن أن نتكلم في صفة كلامه.