والذي نرتضيه أن البقاء يرجع إلى نفس الوجود المستمر من غير مزيد ؛ ولو لم نسلك هذا المسلك للزمنا أن نصف الصفات الأزلية بكونها باقية ، ثم نثبت لها بقاء ، ويجر سياق هذا القول إلى قيام المعنى بالمعنى. ثم لو قدرنا بقاء قديما ، للزمنا أن نصفه ببقاء ، ثم يتسلسل القول.
فإن قيل : الدليل على ثبوت المعاني تجدد أحكامها على محالها ؛ فإذا وجدنا جوهرا غير متحرك ، ثم اتصف بالتحرك ، كان ذلك دالا على تجدد المعنى ، وهذا بعينه متحقق في البقاء ؛ فإن الجوهر في حال حدوثه لا يتصف بكونه باقيا ، وإذا استمر له الوجود اتصف بكونه باقيا. قلنا : الاتصاف بالبقاء راجع إلى استمرار الوجود ، وهو بمثابة القدم ؛ فما وجد وكان حديث عهد بالحدوث لم يسمّ قديما ، فإذا عتق وتقادم سمي في الإطلاق قديما ، ولا يدل ذلك على أن القدم معنى.
فإن قيل : إذا صرفتم البقاء إلى نفس الباقي ، فما الذي تنكرون من قول من يقول ببقاء الأعراض؟ قلنا : الأعراض يستحيل بقاؤها ، فإنها لو بقيت لاستحال عدمها ؛ فإنا إذا قدرنا بقاء بياض ودوام وجوده ، لم يتصور انتفاؤه فيعقبه سواد ؛ إذ ليس السواد بنفي البياض ، ومضاداته أولى من البياض ، بدفع السواد ، ومنعه من الطروّ.
ولا معنى لما يتخيله بعض الناس من أن الباقي يعدم بإعدام الله ؛ فإن الإعدام هو العدم ، والعدم نفي محض ، ولا معنى لتعلق القدرة بالنفي المحض. وتحصيل قول القائل : يقدر الباري على إعدام الموجود يؤول إلى أنه يقدر على أن لا يكون الموجود.
فإن قيل : فما معنى عدم الجواهر؟ قلنا : الأعراض غير باقية ، فإذا أراد الله عدم جوهر اقتطع عنه الأعراض بأن لا يخلقها فينعدم الجوهر إذ ذاك ، إذ يستحيل وجود جوهر بلا عرض.
والمعتزلة نفوا البقاء ، وزعموا أن معظم الأعراض باقية ، وما يعدم من الباقيات ، فإنما يعدم بضدّ يطرأ عليه ، ووافقونا في استحالة بقاء الأصوات والإرادات في خبط طويل. وزعموا أن الجواهر تعدم ، بأن يخلق الله تعالى فناء في غير محل يضاد الجوهر ، وهو في نفسه عرض قائم بنفسه ، ثم يستحيل عندهم فناء بعض الجواهر وبقاء بعضها.
القول في معاني أسماء الله تعالى
التسمية ترجع عند أهل الحق إلى لفظ المسمى الدال على الاسم ، والاسم لا يرجع إلى لفظه ، بل هو مدلول التسمية.
فإذا قال القائل : زيد ، كان قوله تسمية ، وكان المفهوم منه اسما ، والاسم هو المسمى في هذه الحالة ، والوصف والصفة بمثابة التسمية والاسم ؛ فالوصف قول الواصف ، والصفة مدلول الوصف.