فصل
قسم شيخنا ، رضي الله عنه ، أسماء الرب سبحانه وتعالى ثلاثة أقسام. وقال من أسمائه ما نقول إنه هو هو ، وهو كل ما دلت التسمية به على وجوده ؛ ومن أسمائه ما نقول إنه غيره ، وهو كل ما دلت التسمية به على فعل كالخالق والرازق ؛ ومن أسمائه ما لا يقال إنه هو ولا يقال إنه غيره ، وهو كل ما دلت التسمية به على صفة قديمة كالعالم والقادر.
وذكر بعض أئمتنا أن كل اسم هو المسمى بعينه ، وصار إلى أن الرب سبحانه وتعالى إذا سمي خالقا فالخالق هو الاسم ، وهو الرب تعالى ؛ وليس الخالق اسما للخلق ، ولا الخلق اسما للخالق ، وطرد ذلك في جميع الأقسام.
والمرتضى عندنا طريقة شيخنا رضي الله عنه ؛ فإن الأسماء تتنزل منزلة الصفات ، فإذا أطلقت ولم تقتض نفيا حملت على ثبوت متحقق. فإذا قلنا : الله الخالق ، وجب صرف ذلك إلى ثبوت وهو الخلق ، وكان معنى الخالق من له الخلق ، ولا ترجع من الخلق صفة متحققة إلى الذات ، فلا يدل الخالق إلا على إثبات الخلق. ولذلك قال أئمتنا : لا يتصف الباري تعالى في أزله بكونه خالقا ، إذ لا خلق في الأزل ، ولو وصف بذلك على معنى أنه قادر كان تجوزا. فخرج من ذلك أن العلم والقدرة كما كانا صفتين ، فكذلك هما اسمان. والكلام في ذلك يؤول إلى التنازع في إطلاق لفظ ومنع إطلاقه.
ثم جميع أسماء الرب سبحانه تنقسم إلى ما يدل على الذات ، أو يدل على الصفات القديمة ، وإلى ما يدل على الأفعال ، أو يدل على النفي فيما يتقدس الباري سبحانه عنه. ونحن الآن نشير إلى تفسير الأسماء المأثورة على إيجاز.
فأما «الله» ، فالصحيح أنه بمثابة الاسم العلم للباري سبحانه ، ولا اشتقاق له. ثم قيل : أصله إله ، فزيدت اللام فيه تعظيما. وقيل : الإله ، ثم حذفوا الهمزة المتخللة ، وأدغموا اللام للتعظيم في التي تليها. وقيل : أصله لاه ، فزيدت فيه اللام تعظيما. وقال بعض أهل اللغة : هو من التألّه ، وهو التعبد ، فالله معناه المقصود بالعبادة.
«الرحمن الرحيم» : هما اسمان مأخوذان من الرحمة ، ومعناهما واحد عند المحققين ، كالنّدمان والنديم ، وإن كان الرحمن يختص به الله تعالى ولا يوصف به غيره. ثم الرحمة مصروفة عند المحققين إلى إرادة الباري تعالى إنعاما على عبده ، فيكون الاسمان من صفات الذات. وحمل بعض العلماء الرحمة على نفس الإنعام ، فيعود الرحمن الرحيم إلى صفات الأفعال.
«الملك» : معناه ذو الملك. ثم اختلفوا في الملك ؛ فمنهم من فسره بالخلق ، فالملك الخالق وهو من أسماء الأفعال. وقال بعضهم : الملك القدرة على الاختراع ؛ إذ يقال : فلان يملك الانتفاع