فإذا انصرم هذان الركنان ، لم يبق بعدهما إلا الكلام فيما يجوز على الله تعالى ، وبنجاز ذلك يتصرم المعتقد ، وبالله التوفيق.
باب
القول فيما يجوز على الله تعالى
هذا الباب ينقسم ، ويتفنّن ، ويندرج تحته أصول عظيمة الموقع.
ونحن نرى تصديره بإثبات جواز تعلق الرؤية بالله تعالى.
باب
إثبات جواز الرؤية على الله تعالى
فصل
الأولى بنا تقديم فصول يتعلق بها احتجاج أهل الحق ، ويستند إليها الانفصال عن شبه المخالفين ؛ فمن أهمها : إثبات الإدراك شاهدا.
فالذي صار إليه أهل الحق ومعظم المعتزلة أن المدرك شاهدا مدرك بإدراك ، كما أن العالم شاهدا عالم بعلم. وذهب ابن الجبائي وشيعته إلى نفي الإدراك شاهدا وغائبا. والمصير إلى أن المدرك هو الحي الذي لا آفة به.
وكل ما دل على إثبات الأعراض فهو دال على إثبات الإدراكات فإنا استدللنا على ثبوت العلم بتجدد حكمه ، وهو كون العالم عالما ، ثم سبرنا الدلالة وقسمناها على حسب ما سبق من سبيل التوصل إلى إثبات المعاني ، فيجرّنا سياق الدليل إلى إثبات العلم بكون المدرك مدركا ؛ وكما يتجدد كون العالم عالما شاهدا ثم لا يلزم ذلك غائبا فكذلك يتجدد كون المدرك مدركا.
ومن حمل كون المدرك مدركا على كونه حيا وانتفاء الآفة عنه ، لم يتجه له انفصال عن من يسلك هذا المسلك بعينه في العلوم والقدر والإرادات ؛ وإن حمل الإدراك على حصول بنية مخصوصة ، لم يبعد حمل العلم أيضا على بنية مخصوصة. والجملة المغنية عن التفصيل : أن نفي الإدراكات يطرّق القوادح إلى سبيل إثبات الأعراض.
وإذا ثبت الإدراك بما أشرنا إليه ، فاعلموا أن الإدراك لا يفتقر إلى بنية مخصوصة ، وهذا باطل