كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

قائمة الکتاب

البحث

البحث في كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
إضاءة الخلفية
200%100%50%
بسم الله الرحمن الرحيم
عرض الکتاب

كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

كتاب الإرشاد إلى قواطع الأدلّة في أصول الإعتقاد

تحمیل

شارك

فإن قائلا منهم لو قال : باضطرار تعلم استحالة وجود موجود لا مجامع للعالم ولا مفارق له ، لم تدفع هذه الدعوى إلا بمثل ما دفعنا به شبهة نفاة الرؤية. ثم الباري تعالى يرى خلقه من غير جهة ، فجاز أن يرى في غير جهة.

وينبغي للمبتدي في هذا الفن ، أن لا يغفل عن معارضتهم بالعلم وكون الرب تعالى معلوما ، في كل ما يتمسكون به في نفي جواز الرؤية.

فصل

قد ثبت بموجب العقل جواز رؤية الباري تعالى ، وهذا الفصل يشتمل على أن الرؤية ستكون في الجنان ، وعدا من الله تعالى صدقا وقولا حقا.

والدليل عليه نصّ الكتاب ، وهو قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [سورة القيامة : ٢٢ ـ ٢٣].

والنظر ينقسم معناه في اللغة ، وتعتوره وصائل مختلفة على حسب اختلاف معانيه. فإن أريد به التقرب والانتظار ، استعمل من غير صلة ؛ قال الله تعالى في الإنباء عن أحوال المنافقين ومخاطبتهم المؤمنين ، وقد حيل بينهم وبينهم : (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) [سورة الحديد : ١٣] ، معناه : انتظرونا. وإن أريد بالنظر الفكر ، وصل بفي ، فتقول : نظرت في الأمر ، إذا تدبرته. وإذا أريد به الترحم ، وصل باللام ، فتقول : نظرت لفلان. وإذا أريد به الإبصار ، أي الرؤية وصل بإلى.

والنظر في الآية التي احتججنا بها موصول بإلى خبر عن الوجوه الناظرة المستبشرة ، فاقتضاء النظر إثبات الرؤية. فإن عارضونا بقوله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [سورة الأنعام : ١٠٣] ، قلنا : في الكلام على هذه الآية مسالك. منها ، إن الرب تعالى لا يدرك جريا على ظاهر الآية ، بل يرى. وإنما امتنع من سلك هذا المسلك من إطلاق الإدراك لإنبائه عن الإحاطة وتضمنه اللحوق ، وإنما يلحق ذو الغايات ، والرب تعالى يتقدّس عن التحديد بالنهايات. وهؤلاء لا يمتنعون من إطلاق الإحاطة على معنى العلم ، ويقولون : الرب تعالى يعلم على الحقيقة ولا يحاط به ، ويرى ولا يدرك ، ثم ليس في الآية نفي جواز الإدراك ، وهو موضع الاختلاف الراجع إلى مدارك العقول.

ثم هذه الآية مطلقة غير مختصة بالأوقات ، وهي عامة فيها ، والآية التي استدللنا بها تنص على إثبات الرؤية في أوقات معلومة ، فيتجه في طرق التأويل حمل المطلق على المقيد ، فيحمل نفي الإدراك على أيام الدنيا.

وإن عارضونا بقوله تعالى في جواب موسى عليه‌السلام : (لَنْ تَرانِي) [سورة الأعراف : ١٤٣] ، فهذه الآية من أصدق الأدلة على ثبوت جواز الرؤية ؛ فإن من اصطفاه الله لرسالته ، واختاره واجتباه