والبصر ، فهل تثبتون للباري تعالى سائر الإدراكات؟ قلنا : الصحيح عندنا إثباتها ، والدال على إثبات العلم بالسمع والبصر دال على جميع الإدراكات.
فهذا باب مما يجوز في أحكام الإله. ومما يتعلق بالجائز من أحكامه ، ذكر خلقه واختراعه المخترعات ، ويتصل بذلك خلق الأعمال ، وما تمس الحاجة إليه من أحكام قدر العباد.
باب
القول في خلق الأعمال
اتفق سلف الأمة ، قبل ظهور البدع والأهواء واضطراب الآراء على أن الخالق المبدع رب العالمين ، ولا خالق سواه ، ولا مخترع ، إلا هو. فهذا هو مذهب أهل الحق ؛ فالحوادث كلها حدثت بقدرة الله تعالى ، ولا فرق بين ما تعلقت قدرة العباد به ، وبين ما تفرد الرب بالاقتدار عليه. ويخرج من مضمون هذا الأصل ، أن كل مقدور لقادر ، فالله تعالى قادر عليه وهو مخترعه ومنشؤه.
واتفقت المعتزلة ، ومن تابعهم من أهل الأهواء على أن العباد موجدون لأفعالهم ، مخترعون لها بقدرهم. واتفقوا أيضا على أن الرب تعالى عن قولهم ، لا يتصف بالاقتدار على مقدور العباد ، كما لا يتصف العباد بالاقتدار على مقدور الرب تعالى.
ثم المتقدمون منهم كانوا يمتنعون من تسمية العبد خالقا لقرب عهدهم بإجماع السلف على أنه لا خالق إلا الله تعالى ، ثم تجرّأ المتأخرون منهم وسموا العبد خالقا على الحقيقة. وأبدع بعض المتأخرين ما فارق به ربقة الدين ، فقالوا : العبد خالق ، والرب تعالى عن قول المبطلين لا يسمى خالقا على الحقيقة. أعاذكم الله من البدع والتمادي في الضلالات.
ونحن الآن نرسم على المخالفين ثلاثة أضرب من الكلام ؛ فأما الضرب الأول ، فنتمسك فيه بالقواطع العقلية في خروج العبد عن كونه مخترعا ؛ ونذكر في الضرب الثاني ، إلزامات للمعتزلة مأخذها العقول أيضا ، والغرض منها إيضاح تناقض مذاهبهم ؛ ونذكر في الضرب الثالث ، الأدلة السمعية الدالة على صحة ما انتحاه أهل الحق.
فصل
أما الضرب الأوّل من الكلام ، فينحصر المقصود منه في طريقتين. إحداهما ، أن نقول لخصومنا : قد زعمتم أن مقدورات العباد ليست مقدورة للرب تعالى ، مصيرا منكم إلى استحالة