العبد لا تؤثر في متعلقها. فإن استبعد الخصوم ذلك ، ورجعوا إلى كون العبد مطالبا ، فقد قدمنا ما فيه إقناع في الانفصال.
فصل
اعلم ، وفقك الله تعالى لمرضاته ، أن كتاب الله العزيز اشتمل على آي دالة على تفرد الرب تعالى بهداية الخلق وإضلالهم ، والطبع على قلوب الكفرة منهم ، وهي نصوص لإبطال مذاهب مخالفي أهل الحق. ونحن نذكر غرضنا من آيات الهدى والضلال ، ثم نتبعها بالآي المحتوية على ذكر الختم والطبع.
فمما يعظم موقعه عليهم ، قوله تعالى : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة يونس : ٢٥] ؛ وقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة القصص : ٥٦] ؛ وقوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً) [سورة الأنعام : ١٢٥] ؛ وقال عزوجل : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [سورة الأعراف : ١٧٨].
واعلم أن الهدى في هذه الآية لا يتجه حمله إلا على خلق الإيمان ، وكذلك لا يتجه حمل الإضلال على غير خلق الضلال. ولسنا ننكر ورود الهداية في كتاب الله عزوجل على غير المعنى الذي رمناه ، فقد يرد والمراد به الدعوة ؛ قال الله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [سورة الشورى : ٥٢] ، معناه وإنك لتدعو.
وقد ترد الهداية ويراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها يوم القيامة ، قال الله تعالى : (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ ، سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) [سورة محمد : ٤ ـ ٥] ؛ فذكر الله تعالى المجاهدين في سبيله وعنى بهم المهاجرين والأنصار ، ثم قال : (سَيَهْدِيهِمْ) ، فينبغي حمل الآية على ما ذكرناه. وقال الله تعالى في الكفار : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [سورة الصافات : ٢٣] ، معناه اسلكوا بهم إليها ، والمعنى بقوله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) [سورة فصلت : ١٧] ، الدعوة ؛ ومعنى الآية ، أنا دعوناهم فاستحبوا العمى على ما دعوا إليه من الهدى.
وإنما أشرنا إلى انقسام معنى الهدى والضلال ، لتحيطوا علما بأننا لا ننكر ورود الهدى والضلال على غير معنى الخلق ، ولكنا خصصنا استدلالنا بالآي التي صدرنا الفصل بها. ولا سبيل إلى حملها على الدعوة ، فإنه تعالى فصل بين الدعوى والهداية ، فقال : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [سورة يونس ؛ ٢٥] ، فخصص الهداية وعمم الدعوة ، وهذا مقتضى ما استدللنا به من الآيات. ولا وجه لحملها على الإرشاد إلى طريق الجنان ، فإن الله تعالى علق الهداية على مشيئته وإرادته واختياره. وكل مستوجب الجنان ، فحتم على الله عند المعتزلة أن يدخله الجنة. وقوله