تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [سورة الأنعام : ١٢٥] ، فصرح بأحكام الدنيا. وشرح الصدر وحرجه ، وذكر الإسلام من أصدق الآيات على ما قلناه.
وإن استشهد المعتزلة في روم حمل الهداية على الدعوة أو غيرها مما يطابق معتقدهم بالآيات التي تلوناها ، فالوجه أن نقول : لا بعد في حمل ما استشهدتم به على ما ذكرتموه ، وإنما استدللنا بالآيات المفصلة المخصصة للهدى بقوم والضلالة بآخرين ، مع التنصيص على ذكر الإسلام وشرح الصدور وحرجه له. ولا مجال لتأويلاتهم المزخرفة في النصوص التي استدللنا بها.
وأما آيات الطبع والختم ، فمنها قوله تعالى : (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [سورة البقرة : ٧] ؛ وقوله تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) [سورة النساء : ١٥٥] ؛ وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [سورة الأنعام : ٢٥] ؛ وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً) [سورة المائدة : ١٣].
وقد حارت المعتزلة في هذه الآيات ، واضطربت لها آراؤهم ، فذهبت طائفة من البصريين إلى حملها على تسمية الرب تعالى الكفرة بنبذ الكفر والضلال ؛ قالوا : فهذا معنى الطبع.
ولا خفاء بسقوط هذا الكلام ، فإن الرب تعالى تمدح بهذه الآيات وأنبأ بها عن اقتهاره واقتداره على ضمائر العباد وإسرارهم. وبين أن القلوب بحكمه يقلبها كيف يشاء ، وصرح بذلك في قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [سورة الأنعام : ١١٠] الآية. فكيف يستجاز حمل هذه الآيات على تسمية وتلقيب؟ وكيف يسوغ ذلك للبيب؟ والواحد منا لا يعجز عن التسميات والتلقيبات ، فما وجه استيثار الرب بسلطانه؟
وحمل الجبائي وابنه هذه الآيات على محمل بشيع مؤذن بقلة اكتراثهما بالدين ، وذلك أنهما قالا : من كفر وسم الله قلبه سمة يعلمها الملائكة ، فإذا ختموا على القلوب تميزت لهم قلوب الكفار من أفئدة الأبرار. فهذا معنى الختم عندهما ، وما ذكراه مخالفة لنص الكتاب وفحوى الخطاب ؛ فإن الآيات نصوص في أن الله تعالى يصرف بالطبع والختم عن سنن الرشاد من أراد صرفه من العباد ؛ قال الله تعالى : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) [سورة الأنعام : ٢٥] ، فاقتضت الآيات كون الأكنة مانعة من إدراك الإيمان. والسمة التي اخترعوا القول بها ، لا تمنع من الإدراك.
وإلى متى نتعدى غرضنا في الاختصار ، وقد وضح الحق وحصحص ، واستبان عناد المخالفين في تأويلاتهم! والله الموفق للصواب.
باب
القول في الاستطاعة وحكمها
العبد قادر على كسبه ، وقدرته ثابتة عليه. وذهبت الجبرية إلى نفي القدرة ، وزعموا أن ما