هذا الفاضل ، وإن كان من الفرقة المبتدعة ، لصادق في هذه الدعاوي الثلاثة. نورتن صنّف كتابا ضخما ، كما عرفت في الشاهد الثامن عشر من المقصد الثالث ، فأنكر التوراة وأثبت بالدلائل أنه ليس من تصنيف موسى عليهالسلام ، وأقرّ بالإنجيل ، لكن مع الاعتراف بأن الإنجيل المنسوب إلى متّى ليس من تصنيفه بل هذه ترجمته ، والتحريف فيه واقع يقينا في مواضع كثيرة. وأطال الكلام جدا في إثبات ما ادّعاه بالدلائل. فمن شاء فليرجع إلى الكتاب المذكور. فظهر من هاتين الهدايتين أن المخالفين والفرق المسيحية التي يعدّها أهل التثليث من المبتدعين منادون بأعلى نداء من أول القرن إلى هذا القرن بوقوع التحريف.
الهداية الثالثة : أنقل فيها أقوال المسيحيين المعتبرين من المفسّرين والمؤرّخين.
القول الأول : قال آدم كلارك في الصفحة ٣٦٩ من المجلد الخامس من تفسيره : «هذا الرسم من قديم الأيام أن الكبار يكون المؤرّخون لهم كثيرين وهذا هو حال الربّ (يعني كان المؤرّخون له كثيرين) لكن كان أكثر بياناتهم غير صحيحة ، وكانوا كتبوا الأشياء التي لم تقع بأنها وقعت يقينا. وغلطوا في الحالات الأخر عمدا أو سهوا ، سيما المؤرّخين الذين كتبوا في الأرض التي كتب فيها لوقا إنجيله. فلأجل ذلك استحسن روح القدس أن يعطي لوقا علم جميع الحالات على وجه الصحّة ليعلم أهل الديانة الحال الصحيح». انتهى. فثبت بإقرار المفسّر وجود الأناجيل الكاذبة المملوءة من الأغلاط قبل إنجيل لوقا (وقوله كانوا كتبوا الأشياء) إلى آخره يدلّ على عدم ديانتهم تحقيق مؤلّفيها وقوله : (غلطوا في الحالات الأخر عمدا أو سهوا) يدلّ على عدم ديانتهم.
القول الثاني : في الباب الأول من رسالة بولس إلى أهل غلاطية : «ثم إني أعجب من أنكم أسرعتم بالانتقال عمّن استدعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ٧ وهو ليس بإنجيل بل ان معكم نفرا من الذين يزعجونكم ويريدون أن يحرّفوا إنجيل المسيح». فثبت من كلام مقدسهم بولس ثلاثة أمور : الأول : انه كان في عهد الحواريين إنجيل يسمى بإنجيل المسيح. والثاني : انه كان إنجيل آخر مخالف لإنجيل المسيح في عهد مقدسهم. والثالث : ان المحرّفين كانوا في صدد تحريف إنجيل المسيح في زمان مقدسهم فضلا عن الزمان الآخر ، لأنه ما بقي له بعد ذلك إلّا الاسم كالعنقاء. قال آدم كلارك في المجلد السادس من تفسيره في شرح هذا المقام «هذا الأمر محقّق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة كانت رائجة في أول القرون المسيحية. وكثرة هذه الأحوال الكاذبة غير الصحيحة هيّجت لوقا على تحرير الإنجيل ، ويوجد ذكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة ، والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية. وكان فابري سيوس ، جمع هذه الأناجيل الكاذبة وطبعها في ثلاثة مجلدات