في إثبات النّسخ
النسخ في اللغة ، الإزالة. وفي اصطلاح أهل الإسلام ، بيان مدة انتهاء الحكم العملي الجامع للشروط. لأن النسخ لا يطرأ عندنا على القصص ولا على الأمور القطعية العقلية ، مثل أن صانع العالم موجود ، ولا على الأمور الحسيّة ، مثل ضوء النهار وظلمة الليل ، ولا على الأدعية ولا على الأحكام التي تكون واجبة نظرا إلى ذاتها ، مثل آمنوا ولا تشركوا ، ولا على الأحكام المؤبّدة مثل : (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) [النور : ٤] ، ولا على الأحكام المؤقتة وقتها المعيّن مثل : (فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ) [البقرة : ١٠٩] ، بل يطرأ على الأحكام التي تكون عملية محتملة للوجود والعدم غير مؤبّدة وغير مؤقتة ، وتسمّى الأحكام المطلقة. ويشترط فيها أن لا يكون الوقت والمكلّف والوجه متّحدة ، بل لا بدّ من الاختلاف في الكل أو البعض من هذه الثلاثة. وليس معنى النسخ المصطلح أن الله أمر أو نهى أو لا ، وما كان يعلم عاقبته ، ثم بدا له رأي فنسخ الحكم الأول ليلزم الجهل ، أو أمر أو نهى ، ثم نسخ مع الاتحاد في الأمور المسطورة ليلزم الشناعة عقلا. وإن قلنا إنه كان عالما بالعاقبة ، فإن هذا النسخ لا يجوز عندنا ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، بل معناه أن الله كان يعلم أن هذا الحكم يكون باقيا على المكلّفين إلى الوقت الفلاني ، ثم ينسخ. فلم جاء الوقت أرسل حكما آخر ظهر منه الزيادة والنقصان أو الرفع مطلقا. ففي الحقيقة هذا بيان انتهاء الحكم الأول. لكن لمّا لم يكن الوقت مذكورا في الحكم الأول ، فعند ورود الثاني يتخيّل ، لقصور علمنا في الظاهر ، أنه تغيير ونظيره بلا تشبيه. أن تأمر خادمك الذي تعلم حاله لخدمة من الخدمات ، ويكون في نيّتك أنه يكون على هذه الخدمة إلى سنة مثلا فقط ، وبعد السنة يكون على خدمة أخرى. لكن ما أظهرت عزمك ونيّتك عليه. فإذا مضت المدة وعيّنته